وأذا مرضت فهو يشفين
اهلا بك زائرنا الكريم
كي تتمكن من قراءة كل المواضيع ووضع الردود يرجى منك تشرفينا عضوا مرحبا به في منتدانا والتسجيل

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

وأذا مرضت فهو يشفين
اهلا بك زائرنا الكريم
كي تتمكن من قراءة كل المواضيع ووضع الردود يرجى منك تشرفينا عضوا مرحبا به في منتدانا والتسجيل
وأذا مرضت فهو يشفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» علاج تصلب الشرايين والجلطات القلبيه والدماغيه بعون الله تعالى
سكنى الجن أرض وبارِ Icon_minitime1الإثنين مارس 16, 2015 7:49 pm من طرف خالد براهمه

» علاج السرطان بالأعشاب خلال اربعة اسابيع
سكنى الجن أرض وبارِ Icon_minitime1الإثنين مارس 16, 2015 7:35 pm من طرف خالد براهمه

» الفستق مقوى جنسي نسبة 51%
سكنى الجن أرض وبارِ Icon_minitime1الخميس نوفمبر 28, 2013 7:37 pm من طرف خالد براهمه

» اسماء الأعشاب
سكنى الجن أرض وبارِ Icon_minitime1الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:35 am من طرف حسين العنوز

» آيات الشفاء في القرآن
سكنى الجن أرض وبارِ Icon_minitime1الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:30 am من طرف حسين العنوز

» اضطرابات الغدة الدرقية وعلاجها
سكنى الجن أرض وبارِ Icon_minitime1الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:29 am من طرف حسين العنوز

» رقية للعقـم والإســـقاط
سكنى الجن أرض وبارِ Icon_minitime1الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:28 am من طرف حسين العنوز

» مرضى السكري
سكنى الجن أرض وبارِ Icon_minitime1الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:27 am من طرف حسين العنوز

» اظفـــــــار،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
سكنى الجن أرض وبارِ Icon_minitime1الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:27 am من طرف حسين العنوز

التبادل الاعلاني
مايو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
  12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031  

اليومية اليومية

التبادل الاعلاني
دخول

لقد نسيت كلمة السر


سكنى الجن أرض وبارِ

اذهب الى الأسفل

سكنى الجن أرض وبارِ Empty سكنى الجن أرض وبارِ

مُساهمة من طرف خالد براهمه الجمعة أكتوبر 29, 2010 4:29 am

سكنى الجن أرض وبارِ
وتزعم الأعرابُ أن اللّه عزّ ذكره حين أهلك الأُمة التي كانت تسمَّى وبارِ، كماأهلك طسْماً، وجَدِيساً، وأميماً، وجاسماً، وعملاقاً، وثموداً وعاداً - أنَّ الجنّسكنت في منازلها وحمتها من كلِّ مَنْ أرادها، وأنّها أخصبُ بلاد اللّه، وأكثرهاشجراً، وأطيبُها ثمراً، وأكثرها حبّاً وعنباً، وأكثرها نخلاً وموزاً، فإن دنااليومَ إنسانٌ من تلك البلاد، متعمِّداً، أو غالطاً، حَثوا في وجهه التراب، فإنأبى الرُّجوعَ خبلوه، وربّما قَتلوه.
والموضع نفسه باطل، فإذا قيل لهم: دُلُّونا على جهته، ووقِّفونا على حدِّه وخلاكُمذمٌّ - زعموا أنّ من أراد أُلقي على قلبه الصَّرْفة، حتَّى كأنهم أصحابُ موسى فيالتِّيه، وقال الشاعر:
وداعٍ دعا واللَّيلُ مرخٍ سُدوله ... رجاءَ القِرى يا مُسْلِمَ بن حمارِ
دعا جُعَلاً لا يهتدِي لمقيله ... من اللؤم حتّى يهْتدي لوَبَارِ
فهذا الشاعرُ الأعرابيُّ جعل أرض وبارِ مثلاً في الضلال، والأعراب يتحدّثون عنهاكما يتحدّثون عمّا يجدونه بالدَّوِّ والصَّمّان، والدهناء، ورمل يبرين، وما أكثرما يذكرون أرض وبارِ في الشِّعر، على معنى هذا الشاعر.
قالوا: فليس اليومَ في تلك البلاد إلاَّ الجنُّ، والإبلُ الحُوشيَّة.
الحوشية من الإبل والحوشُ من الإبل عندهم هي التي ضربتْ فيها فحولُ إبل الجن،فالحوشِيَّة من نَسْل إبل الجن، والعِيديَّة، والمَهْرية، والعَسْجديّة،والعُمانية، قد ضربت فيها الحوش، وقال رُؤبة:
جَرَّت رَحانا من بلاد الحوشِ
وقال ابن هريم:
كأنّي على حُوشيَّةٍ أو نَعامةٍ ... لها نَسبٌ في الطَّيرِ وهو ظليمُ
وإنما سمَّوا صاحبة يزيد بن الطَّثرية حُوشيّة على هذا المعنى.
التحصُّن من الجنّ
وقال بعضُ أصحاب التفسير في قوله تعالى: " وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ من الإنسِيَعُوذونَ بِرِجالٍ من الْجِنِّ فزادُوهُمْ رَهقاً " : إنَّ جماعة من العربكانوا إذا صاروا في تيه من الأرض، وتوسَّطوا بلاد الحُوش، خافوا عبث الجنَّانِوالسَّعالي والغيلان والشياطين، فيقوم أحدهم فيرفع صوته: إنا عائذرن بسيِّد هذاالوادي فلا يؤذيهم أحدٌ، وتصير لهم بذلك خفارة.


أثر عشق الجن في الصرع
وهم يزعمون أن المجنون إذا صرعَتْه الجنّيّةُ، وأنّ المجنونةَ إذا صرعها الجنيّ -أنّ ذلك إنما هو على طريق العشْق والهوى، وشهوة النِّكاح، وأن الشيطان يعشق المرأةمنّا، وأنَّ نظْرته إليها من طريق العُجب بها أشدُّ عليها من حُمّى أيام، وأنّ عينالجانّ أشدُّ من عين الإنسان.
قال: وسمع عمرو بن عُبيد، رضي اللّه عنه، ناساً من المتكلّمين يُنْكِرون صَرْعالإنسان للإنسان، واستهواء الجنّ للإنس، فقال وما ينكرون من ذلك وقد سمعوا قولاللّه عزّ ذكره في أكَلة الرِّبا، وما يصيبهم يوم القيامة، حيث قال: "الَّذينَ يأْكُلُونَ الرِّبا لا يقومُون إلاّ كما يَقُومُ الَّذي يَتَخبَّطهُ الشَّيْطانُمنَ المَسِّ " ، ولو كان الشَّيطانُ لم يَخْبِطْ أحداً لما ذكر اللّه تعالىبه أكلة الرّبا، فقيل له: ولعلّ ذلك كان مرّةً فذهب، قال: ولعله قد كثر فازدادأضعافاً، قال: وما يُنكرون من الاستهواء بعد قوله تعالى: " كالَّذياستهْوَتْهُ الشّياطينُ في الأرض حَيْرانَ " .


الطاعون طعن من الشيطان
زعم العرب أن الطاعون طعن من الشيطانقال: والعرب تزعم أن الطاعون طعنٌ من الشيطان، ويسمُّون الطَّاعون رماح الجنّ، قالالأسديُّ للحارث الملك الغسّاني:
لَعَمْركَ ما خَشيتُ على أُبيٍّ ... رِماحَ بني مُقيِّدة الحمارِ
ولكني خَشيت على أُبيٍّ ... رِماحِ الجنِّ أو إياكَ حارِ
يقول: لم أكن أخاف على أُبيّ مع منعته وصرامته، أن يقتله الأنذال، ومن يرتبط العيردونَ الفَرس، ولكني إنما كنت أخافك عليه، فتكونُ أنت الذي تطعَنه أو يطعَنه طاعونُالشّام.
وقال العُمانيّ يذكر دولة بني العبّاس:
قد دَفع اللّه رِماح الجن ... وأذهب العذابَ والتَّجنِّي
وقال زيد بن جُندب الإياديّ:
ولولا رِماحُ الجنِّ ما كان هزهم ... رِماح الأعادي من فصيح وأعجم
ذهب إلى قول أبي دؤاد:
سُلِّط الموتُ والمنونُ عليهم ... فلهم في صَدى المقابر هامُ
يعني الطاعون الذي كان أصاب إياداً.
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه ذكر الطَّاعون فقال: " هووَخْزٌ من عَدُوِّكم " : وأنَّ عَمْرو بن العاص قام في النّاس في طاعونعَمَواس فقال: إنّ هذا الطاعون قد ظهر، وإنما هو وخْزٌ من الشَّيطان، ففِرُّوا منهفي هذه الشِّعاب.
وبلغ مُعاذ بن جبَلٍ، فأنكر ذلك القول عليه.
تصور الجنّ والغيلان والملائكة والناس
وتزعم العامَّة أنّ اللّه تعالى قد مَلّك الجن والشياطين والعُمَّار والغيلانَ أنْيتحوّلوا في أيِّ صورة شاؤوا، إلاّ الغول، فإنّها تتحوَّل في جميع صُورة المرأةولباسها، إلاّ رجليها، فلا بُدَّ من أن تكون رجليْ حمار.
وإنما قاسُوا تصوُّر الجن على تصوُّر جبريل عليه السلام في صورة دَحْية بن خليفةالكلبي، وعلى تصوُّر الملائكة الذين أتوا مريم، وإبراهيم، ولوطاً، وداود عليهمالسلام في صورة الآدميِّين، وعلى ما جاء في الأثر من تصوُّر إبليس في صورة سُراقةبن مالك بن جعْشم، وعلى تصوّره في صورة الشيخ النجدي، وقاسوه على تصوُّر مَلَكَالموت إذا حضر لقبض أرواح بني آدم، فإنه عند ذلك يتصوّر على قدر الأعمال الصالحةوالطالحة.
قالوا: وقد جاء في الخبر أنّ من الملائكة من هو في صورة الرِّجال، ومنهم من هو فيصورة الثِّيران، ومنهم من هو في صورة النسور، ويدلُّ على ذلك تصديقُ النبي صلىالله عليه وسلم لأميّة بن أبي الصّلت، حين أُنشِد:
رَجُلٌ وثَوْرٌ تحت رِجْلِ يمينه ... والنَّسْر للأُخرى ولَيْثٌ مُرْصدُ
قالوا: فإذ قد استقام أن تختلف صُورهم وأخلاط أبدانهم، وتتفق عقولهم وبيانهم واستطاعتهم،جاز أيضاً أن يكون إبليس والشّيطان والغول أن يتبدلوا في الصُّور من غير أنْيتبدلوا في العقل والبيان والاستطاعة.
قالو: وقد حوَّل اللّه تعالى جعفر بن أبي طالب طائراً، حتى سماه المسلمونالطّيّار، ولم يخرجْه ذلك من أن نراه غداً في الجنة، وله مثلُ عقل أخيه علي رضياللّه عنهما، ومثل عقل عمه حمزة رضي اللّه تعالى عنه، مع المساواة بالبيان والخلق.


أحاديث في إثبات الشيطان
قالوا: وقد جاء في الأثر النهي عن الصّلاة في أعطان الإبل، لأنّها خلقت من أعنانالشياطين.
وجاء أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى عن الصَّلاة عند طلوع الشَّمس حتىطلوعها، فإنّها بين قرني شيطان.
وجاء أنَّ الشياطين تُغلّ في رمضان.
فكيف تنكر ذلك مع قوله تعالى في القرآن: " والشَّياطينَ كُلَّ بَنَّاءٍوَغَوَّاص، وآخَرينَ مُقَرَّنينَ في الأصفادِ " .
ولشهرة ذلك في العرب، في بقايا ما ثبتوا عليه من دين إبراهيم عليه السّلام، قالالنابغة الذبياني:
إلا سُلَيمانَ إذْ قال الإلهُ لَهُ ... قُم في البَرِيَّةِ فاحْددْها عن الفَنَد
وخيِّس الجِنَّ إنِّي قدْ أذِنتُ لَهُمْ ... يَبْنُون تَدْمُر بالصُّفَّاح والعمدِ
فمنْ عصاك فعاقِبْهُ مُعاقبةً ... تنهى الظّلوم ولا تقْعد على ضمدِ
وجاء في قتل الأسود البهيم من الكلاب، وفي ذي النُّكْتتين، وفي الحية ذاتالطُّفْيتين، وفي الجانّ.

وجاء: لا تشربوا من ثُلمة الإناء،فإنَّه كِفْل الشَّيطان، وفي العاقد شَعره في الصلاة: إنَّه كِفْل الشيطان، وأنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: تراصُّوا بينكم في الصلاة، لا تتخللكم الشّياطينكأنّها بنات حذف، وأنَّه نهى عن ذبائح الجن.
ورووا: أن امرأة أتتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّ ابني هذا، به جنونٌيصيبه عند الغداء والعَشَاء قال: فمسح النبيُّ صلى الله عليه وسلم صدْرَه، فثعَّثعة فخرج من جوفه جروٌ أسود يسعى.
قالوا: وقد قضى ابن عُلاثة القاضي بين الجنّ، في دم كان بينهم بحكمٍ أقنعهم.
رجع إلى تفسير قصيدة البهراني ثم رجع بنا القولُ إلى تفسير قصيدة البهّراني: أماقوله:
وتزوّجْتُ في الشبيبة غولاً ... بغزال وصَدْقتي زِقُّ خمرِ
فزعم أنه جعل صداقها غزالاً وزِقَّ خمر، فالخمر لطيب الرائحة، والغزالُ لتجعلهمَرْكباً، فإنّ الظَّباء من مراكب الجن.
وأما قوله:
ثيِّبٌ إن هَوِيتُ ذلك منها ... ومتى شئتُ لم أجِدْ غير بِكرِ
كأنه قال: هي تتصوَّر في أيِّ صورةٍ شاءتْ.


شياطين الشعراء
وأما قوله:
بنت عَمْرٍو وخالها مِسحل الخي ... ر وخالي هُميمُ صاحب عَمْرِو
فإنهم يزعمون أنّ مع كلِّ فحل من الشعراء شيطاناً يقول ذلك الفحلُ على لسانهالشعر، فزعم البهراني أنّ هذه الجنّية بنت عمرو صاحب المخبَّل، وأن خالها مِسْحلشيطان الأعشى، وذكر أن خاله هُمَيم، وهو همّام، وهمّام هو الفرزدق، وكان غالبُ بنصعصعة إذا دعا الفرزدق قال: يا هميم.
وأما قوله: صاحب عمرو فكذلك أيضاً يقال إن اسم شيطان الفرزدق عمرو، وقد ذكر الأعشىمِسْحلاً حين هجاه جُهُنَّام فقال:
دَعَوْتُ خليلي مِسْحلاً ودعَوا له ... جُهُنّامَ جَدْعاً للهجين المذَمَّمِ
وذكره الأعشى فقال:
حباني أخي الجنِّيُّ نفسي فداؤُه ... بأفْيَحَ جَيَّاشِ العَشيّات مِرْجمِ
وقال أعشى سُليم:
وما كان جِنّيُّ الفرزدقِ قدوةً ... وما كان فيهم مِثْلُ فَحْلِ المخبَّلِ
وما في الخوافي مثل عَمْرو وشيخِهِ ... ولا بعدَ عمرو شاعرٌ مثلٌ مِسْحلِ
وقال الفرزدق، في مديح أسد بن عبد اللّه:
ليُبلغَنّ أبا الأشبال مِدْحتنا ... مَنْ كان بالغُورِ أو مَرْوَيْ خُراسانا
كأنّها الذَّهب العقْيانُ حبّرها ... لسانُ أشْعر خلْقِ اللّه شيطانا
وقال:
فلو كنْتَ عنْدي يوم قوٍّ عذرْتني ... بيوم دهتْني جِنُّهُ وأخابلُه
فمن أجل هذا البيت، ومن أجل قول الآخر:
إذا ما راعَ جارَتهُ فلاقى ... خبالَ اللّه منْ إنس وجِنِّ
زعموا أنّ الخابل النّاس.
ولما قال بشّار الأعمى:
دعاني شِنِقْناقٌ إلى خَلْفِ بكرةٍ ... فقلتُ: اتركنِّي فالتفرُّدُ أحمدُ
يقول: أحمدُ في الشعر أن لا يكون لي عليه معين - فقال أعشى سُليم يردُّ عليه:
إذا ألِفَ الجنّيُّ قِرداً مُشَنّفاً ... فقل لخنازير الجزيرةِ أبْشري
فجزِع بشّارٌ من ذلك جزعاً شديداً، لأنّه كان يعلم مع تغزُّله أنَّ وجهه وجْهُقردٍ، وكان أوّل ما عُرف من جزعه من ذكر القِرد، الذي رأوا منه حين أنشدوه بيتحمّاد:
ويا أقبحَ مِن قِرْدٍ ... إذا ما عَمِيَ القِرْدُ
وأما قوله:
ولها خِطَّةٌ بأرض وبار ... مسَحُوها فكان لي نصْفُ شطرِ
فإنما ادّعى الرُّبع من ميراثها، لأنه قال:
تركتْ عَبْدلاً ثمالَ اليتامى ... وأخوه مزاحم كان بكر
وَضَعَتْ تِسْعةً وكانتْ نَزوراً ... من نِساءٍ في أهْلِها غير نُزْرِ
وفي أنَّ مع كلِّ شاعر شيطاناً يقول معه، قول أبي النجم:
إني وكلّ شاعر من البَشرْ ... شيطانه أنْثى وشَيطاني ذكر
وقال آخر:
إني وإن كنتُ صغير السِّنّ ... وكان في العين نُبُوٌّ عنِّي
فإنّ شيطاني كبير الجنِّ


كلاب الجن
وأما قول عمرو بن كلثوم:
وقد هَرَّتْ كلابُ الجِنِّ منا ... وشَذَّبْنَا قتادةَ من يلينا
فإنهم يزعمون أنّ كلاب الجنِّ هم الشعراء.


أرض الجن
وأما قوله:

أرض حُوشٍ وجاملٍ عَكَنَانٍ ...وعُروجٍ من المؤبّلِ دَثْر
فأرض الحوش هي أرضُ وَبارِ، وقد فسَّرنا تأويل الحوش، والعَكَنَان: الكثير الذيلايكون فوقه عدد، قوله: عروج جمع عَرْج، والعَرْج: ألف من الإبل نقص شَيئاً أوْزاد شيئاً، والمؤبّل من الإبل، يقال إبل مؤبَّلة، ودراهم مُدَرهمة، وبدَر مبدَّرة،مثل قوله تعالى: " وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَة " وأما قوله: "دثر " فإنهم يقولون: مال دَثر، ومالٌ دَبْر، ومال حَوْم: إذا كان كثيراً.


استراق السمع
وأما قوله:
ونَفَوْا عَنْ حريمها كلَّ عِفْر ... يسرقُ السَّمعَ كلَّ ليلةِ بَدْرِ
فالعِفْر هو العفريت، وجعله لا يسرق السمع إلا جهاراً في أضوإ ما يكون البدر، منشدَّة معاندته، وفرط قوته.
الشنقناق والشيصبان وأما قوله:
في فُتُوٍّ من الشَّنقناق غُرٍّ ... ونِساء من الزَّوابعِ زُهْرِ
الزوابع: بنو زَوْبعة الجنِّيّ، وهم أصحاب الرَّهج والقَتَام والتَّثوير وَقالراجزهم:
إنّ الشياطين أَتوْني أربعهْ ... في غَبَش الليل وفيهم زَوبعه
فأما شِنِقناق وشَيْصَبان، فقد ذكرهما أبو النجم:
لابن شنقْناق وشَيْصَبَانِ
فهذان رئيسان ومن آباء القبائل، وقد قال شاعرهم:
إذا ما ترَعْرَعَ فينا الغلامُ ... فليس يقال له من هُوَهْ
إذا لم يَسُدْ قبل شدِّ الإزار ... فذلك فينا الذي لا هُوَهْ
ولي صاحبٌ من بني الشَّيصبا ... ن فطوراً أقولُ وطوراً هُوَهْ
وهذا البيت أيضاً يصلح أن يلحق في الدَّليل على أنهم يقولون: إن مع كلِّ شاعرشيطاناً، ومن ذلك قولُ بشَّار الأعمى:
دَعاني شِنِقْناقٌ إلى خَلْف بَكرَةٍ ... فقلت: اترُكَنِّي فالتَّفَرُّدُ أحَمدُ


شياطين الشام والهند
قال: وأصحاب الرُّقى والأُخذ والعزائم، والسِّحر، والشَّعبذة، يزعمون أنّ العددوالقوّة في الجنِّ والشياطين لنازلة الشام والهند، وأنَّ عظيم شياطين الهند يقالله: تنكوير، وعظيم شياطين الشام يقال له: دركاذاب.
وقد ذكرهما أبو إسحاق في هجائه محمد بن يَسِير، حين ادّعى هذه الصناعة فقال:
قد لعمْرى جمعت مِلْ آصفيّا ... تِ ومن سفْر آدم والجرابِ
وتفردتَ بالطوالق والهي ... كل والرهنباتِ من كلِّ بابِ
وعلمتَ الأسماء كيما تُلاقى ... زُحلاً والمريخَ فوق السحابِ
واستثرتَ الأرواح بالبحْر يأت ... ينَ لصرعِ الصحيح بعدَ المصابِ
جامعاً من لطائف الدنهشيَّا ... تِ كبوسا نمقتها في كتابِ
ثمَّ أحكمت متقن الكرويا ... ت وفعل الناريس والنجابِ
ثمَّ لم تعْيك الشعابيذ والخد ... مةُ والاحتفاء بالطلابِ
بالخواتيم والمناديل والسع ... يِ بتنكوير ودركاذابِ
قتل الغول بضربة واحدة وأما قوله:
ضربَتْ فَردةً فصارت هَباءً ... في مُحاقِ القُمير آخر شَهْرِ
فإنّ الأعرابَ والعامّة تزعُم أن الغول إذا ضربت ضَربةً ماتت، إلاّ أن يُعيد عليهاالضّارب قبل أن تقْضي ضربة أخرى، فإنّه إن فعل ذلك لم تمُتْ، وقال شاعرهم:
فَثنّيتُ والمِقدارُ يحرُسُ أهلَهُ ... فَلَيْتَ يميني قبل ذلك شلّتِ
وأنشد لأبي البلاد الطُّهَويّ:
لهَانَ علَى جهينةً ما أُلاقي ... من الروعاتِ يومَ رحَى بطانِ
لقيتُ الغول تسرِى في ظلامٍ ... بسهبٍ كالعباية صحصحانِ
فقلتُ لها كلانا نقض أرضٍ ... أخُو سفَر فصدِّى عن مَكانى
فصدتْ وانتحيتُ لها بعضبٍ ... حسامٍ غيرِ مؤتشبٍ يمانى
فقدّ سَراتها والبرك منها ... فخرتْ لليدين وللجران
فقالت زدْ فقلتُ رويدَ إنِّى ... على أمثالها ثبتُ الجنانِ
شددتُ عقالها وحططت عنها ... لأنظرَ غدوةً ماذا دهانى
إذا عينان في وجهٍ قبيحٍ ... كوجْه الهرِّ مشقوق اللسانِ
ورجلا مخدجٍ ولسانُ كلبٍ ... وجلدٌمن فراءِ أو سنانِ

وأبو البلاد هذا الطهوي كان من شياطينالأعراب، وهو كما ترى يكذِب وهو يَعلَم، ويُطيل الكذِب ويُحَبِّرُه، وقد قال كماترى:
فقالت زِدْ فقلتُ رُوَيْد إنّي ... على أمثالها ثَبْتُ الجَنانِ
لأنّهم هكذا يقولون، يزعمون أنّ الغول تستزيد بعد الضَّرْبة الأولى لأنّها تموت منضربةٍ، وتعيشُ من ألْف ضرْبة.


مناكحة الجنِّ ومحالفتهم
وأمّا قوله:
غلبتني على النَّجابة عرسي ... بعد أنْ طالَ في النجابة ذكري
وأرى فِيهِمُ شمائِل إنسٍ ... غيرَ أنّ النّجارَ صُورةُ عِفرِ
فإنَّه يقول: لما تركّب الولدُ منّي ومنها كان شبهُها فيه أكثر.
وقال عبيد بن أيُّوب:
أخو قَفراتٍ حَالَفَ الجِنَّ وانتفى ... مِنَ الإنْس حتّى قد تَقَضّتْ وسائلُهْ
له نَسَبُ الإنسيّ يُعرَفُ نَجْلُه ... وللجِنِّ منه خَلْقه وشمائلُه
وقال:
وصارَ خليلَ الغُول بَعدَ عداوةٍ ... صَفِيّاً وربَّتْه القِفَارُ البسابسُ
فَليس بِجِنّيٍّ فيُعْرَفَ نَجْله ... ولا أَنَسِيٍّ تحتويه المجالِسُ
يظلُّ ولا يبدوُ لشيءٍ نهارَه ... ولكنّه ينْباعُ واللّيْلُ دامِس
قال: وقال القَعقاع بنُ مَعْبَد بن زُرارة، في ابنه عوف بن القعقاع: واللّه لماأرى من شمائل الجنّ في عوف أكثر ممّا أرَى فيه من شمائل الإنس.
وقال مَسلمة بن محارب: حدّثني رجلٌ من أصحابنا قال: خرجنا في سَفرٍ ومعنا رجُلٌ،فانتهينا إلى واد، فدعَوْنا بالغَدَاء، فمدّ رجلٌ يدَه إلى الطعام، فلم يقدر عليه- وهو قبْلَ ذلك يأكلُ معَنا في كلِّ منزل - فاشتدّ اغتمامنا لذلك، فخرجنا نسأل عنحاله، فتلقَّانَا أعرابيٌّ فقال: ما لكم؟ فأخبرناه خبَر الرَّجُل، فقال: ما اسمصاحبكم؟ قلنا: أسد قال: هذا وادٍ قد أخِذَتْ سباعه فارحلوا، فلو قد جاوزتم الواديَاستمرَى الرَّجُل وأكَل.


مراكب الجن
وأمَّا قوله:
وبها كنتُ راكباً حشراتٍ ... مُلجِماً قُنفُذاً ومُسْرجَ وَبْر
وأجوبُ البلادَ تحتيَ ظبيٌ ... ضاحكٌ سنُّه كثيرُ التمرِّي
مُولجٌ دُبْرَهُ خَوَايَة مَكْوٍ ... وهو باللّيل في العفاريت يَسري
فقد أخبرْنا في صدر هذا الكتاب بقول الأعراب في مطايا الجن من الحشرات والوحش.
وأنشد ابنُ الأعرابي لبعض الأعراب:
كلَّ المطايا قد ركبنا فلم نجد ... ألَذَّ وأشهى مِنْ مذاكي الثَّعالبِ
وَمِنْ عنظوان صعبةٍ شمّرية ... تَخُبُّ برجْليها أمام الرَّكائبِ
ومنْ جُرَذٍ سُرْح اليدين مفرَّج ... يعوم برَحْلي بين أيدِي المراكب
ومنْ فارةٍ تزداد عِتْقاً وحدّةً ... تبرِّح بالخوصِ العِتاقِ النَّجَائبِ
ومنْ كلِّ فتْلاء الذِّراعَينِ حُرَّة ... مدَرَّبة من عافيات الأرانبِ
ومنْ وَرَل يغتالُ فضْلَ زِمامِهِ ... أضَرَّ به طول السُّرى في السَّباسِبِ
قال ابنُ الأعرابي: فقلت له: أترى الجن كانت تركبُها، فقال: أحلِفُ باللّه لقدكنتُ أجد بالظِّباء التَّوقيعَ في ظهورها؟ والسِّمة في الآذان، وأنشد:
كلّ المطايا قد ركبنا فلم نجدْ ... ألذَّ وأشْهَى من رُكوب الجَنادِبِ
ومنْ عَضْرفوط حطَّ بي فأقمتهُ ... يبادِرُ وِرداً من عظاءٍ قواربِ
وشرُّ مطايا الجنِّ أرْنبُ خُلّةٍ ... وذئبُ الغضا أوقٌ على كلِّ صاحبِ
ولم أر فيها مِثْلَ قُنفُذ بُرْقةٍ ... يَقُودَ قطاراً منْ عظام العناكبِ
وقد فسَّرنا قولهم في الأرانب، لم لا تركب، وفي أرنب الخَلّة، وقنفذ البُرْقة.

وحدثني أبو نُواس قال: بكرتُ إلىالمِربَد، ومعي ألواحي أطلبُ أعرابيّاً فصيحاً، فإذا في ظلِّ دار جعفر أعرابيٌّ لمأسمع بشيطان أقبَحَ منه وجهاً، ولا بإنسان أحسنَ منه عقلاً، وذلك في يومٍ لم أركبرده برداً، فقلتُ له: هلاَّ قعدت في الشمس فقال: الخَلْوة أحبُّ إليّ فقلت لهمازحاً: أرأيت القنفذَ إذا امتطاه الْجِنيُّ وعلا به في الهواء، هل القنفذ يحملالجنِّيّ أم الجنّيّ يحمل القنفذ؟ قال: هذا من أكاذيب الأعراب، وقد قلت في ذلكشعراً، قلت فأنشِدْنيه، فأنشَدَني بعد أن كان قال لي: قلت هذا الشعر وقد رأيت ليلةقنفذاً ويربوعاً يلتمسان بعض الرِّزق:
فما يُعجبُ الجنَّانَ منك عَدِمتَهم ... وفي الأُسْد أفراسٌ لهم ونجائبُ
أتُسرِج يربوعً وتُلجِم قُنفذاً ... لقَدْ أعوزَتهُمْ ما علمْتَ المراكِبُ
فإن كانت الجنّانُ جُنّت فبالحَرى ... ولا ذَنْبَ للأقدار واللّه غالبُ
وما الناس إلا خادعٌ ومخدَّعٌ ... وصاحبُ إسْهَابٍ وآخر كاذب
قال: فقلت له: قد كان ينبغي أن يكون البيت الثالث والرابع بيت آخر، قال: كانتواللّه أربعين بيتاً، ولكنَّ الحطمة واللّه حَطمتها، قال: فقلت: فَهلْ قلت في هذاالباب غير هذا؟ قال: نعم، شيءٌُ قلتُهُ لزوجتي، وهو واللّه عندها أصدقُ شيءٍ قلتُهلها:
أراه سَميعاً للسِّرارِ كقنفذٍ ... لقد ضاع سِرُّ اللّه يا أمَّ مَعْبدِ
قال: فلم أصبر أن ضحِكْتُ، فغضب وذهب.


شعر فيه ذكر الغول
ويكتب مع شعر أبي البلاد الطُّهوي:
فمن لامَني فيها فَوَاجَه مِثلَها ... على غِرَّةٍ ألقَت عطافاً ومئزرا
لها ساعِدَا غُولٍ ورجلا نعامةٍ ... ورأسٌ كمسْحاة اليهُوديِّ أزعَرَا
وبَطْنٌ كأثناء المزادةِ رَفّعتْ ... جوانبُه أعكانَه وتَكَسَّرا
وثدْيان كالخُرْجين نيطت عُرَاهُما ... إلى جُؤجُؤٍ جاني الترائب أزْوَرَا
قال: كان أبو شيطان، واسمه إسحاق بن رَزِين، أحد بني السِّمط سِمْط جعدة ابن كعب،فأتاهم أميرٌ فجعل ينْكُب عليهم جَوراً، وجعل آخر من أهل بلده ينقب عليهم: أي يكونعليهم نقيباً. فجعل يقول:
يا ذا الذي نَكَبَنَا ونَقَبَا ... زَوّجَهُ الرَّحمن غُولاً عقْرَبا
جمّع فيها ماله ولبْلَبا ... لبالب التّيس إذا تَهَبْهبَا
حتَّى إذا ما استطربَتْ واستطرَبَا ... عاينَ أشنا خَلقِ ربّيزرْنبَا
ذات نواتين وسَلعٍ أُسْقِبَا
يعني فرجها ونوَاتها، يقول، لم تُخْتَن.


جنون الجن وصرعهم
وأما قوله:
فإنْ كانت الجِنّان جُنّتْ فبالَحرى
فإنهم قد يقولون في مثل هذا، وقد قال دَعْلجُ بن الحكم:
وكيف يفِيق الدهرَ كعبُ بنُ ناشبٍ ... وشيطانه عِندَ الأهلَّة يُصْرَعُ
شعر فيه ذكر الجنون وأنشدني عبد الرحمن بن منصور الأُسَيْديِّ قبل أن يُجَنَّ:
جُنونكَ مجنونٌْ ولستَ بواجِدٍ ... طَبيباً يُداوِي منْ جُنونِ جُنونِ
وأنشدني يومئذ:
أتَوني بمجْنون يَسِيلُ لُعابُهُ ... وما صاحبي إلا الصَّحيحُ المسَلَّمُ
وفيما يشبه الأولَ يقولُ ابن ميَّادة:
فلما أتاني ما تقُولُ محاربٌ ... تَغَنَّتْ شياطيني وجُنَّ جُنونُها
وحاكتْ لها ممّا أقول قصائداً ... ترامَتْ بها صُهْبُ المَهارِي وجُونُها
وقال في التَّمثيل:
إنّ شَرخَ الشّبابِ والشّعرَ الأَس ... ودَ ما لم يُعاصَ كان جُنونا
وقال الآخر:
قالت عَهِدْتُك مجنوناً فقلتُ لها ... إنّ الشّبابَ جُنُونٌ بُرؤُه الكِبَرُ
وما أحسنَ ما قال الشّاعر حيث يقول:
فدقّت وجلّت واسبكرّت وأكمِلت ... فلو جُنَّ إنسانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ
وما أحسن ما قال الآخر:
حمراء تامِكةُ السَّنام كأنّها ... جَملٌ بهودج أهلِهِ مظعونُ
جادَتْ بها عند الغداةِ يمين ... كلتا يَدَي عَمْرِو الغَداة يمينُ
ما إن يجودُ بمثلها في مثلها ... إلاّ كريمُ الخِيمِ أو مَجنونُ
وقال الجميح:

لو أنّني لم أنَلْ مِنكم مُعاقبةً ...إلاّ السِّنَانَ لذاقَ الموتَ مظعونُ
أُوْ لاختطبتُ فإني قد هَمْمتُ به ... بالسَّيفِ إنّ خطِيبَ السَّيف مجنونُ
وأنشد:
هُمُ أَحْمَوا حِمى الوَقَبى بضرْبٍ ... يؤلّفُ بَيْنَ أشتاتِ المنُون
فنَكَّبَ عنهم دَرءَ الأعادي ... ودَاوَوْا بالجُنون من الجُنونِ
وأنشدني جعفر بن سعيد:
إنَّ الجنونَ سِهامٌ بين أربعةٍ ... الرِّيحُ والبحْرُ والإنسانِ والجَملُِ
وأنشدني أيضاً:
احْذَر مغايظَ أقوامٍ ذوي حَسَبٍ ... إنّ المغيظ جَهُولُ السَّيفِ مجنونُ
وأنشدني أبو تمام الطائي:
منْ كلِّ أصلَعَ قد مالَت عمامتُه ... كأَنّه من حِذار الضَّيمِ مجنونُ
وقال القطاميّ:
يَتْبَعْنَ سَامِيةَ العَينين تَحْسَبُها ... مجنُونةً أو تُرَى ما لا تُرَىالإبلُ
وقال في المعني الأوَّل الزَّفَيانُ العُوافيّ:
أنا العُوافيُّ فمنْ عاداني ... أذقتُه بوادِرَ الهوان
حتّى تَرَاهُ مُطرِقَ الشّيطانِ
وقال مروانُ بن محمد:
وإذا تجنّنَ شاعرٌ أو مُفْحَمٌ ... أسعطْتُه بمرارة الشيطانِ
وقال ابن مُقبِل:
وعِنْدي الدُّهَيم لو أحُلُّ عِقالهَا ... فتُصْعدُ لم تَعْدَم من الْجِنِّ حادِيا
وقد صغَر الدُّهيَم ليس على التحقير، ولكن هذا مثل قولهم: دبَّت إليهم دويهيَةالدهر.
أحاديث الفلاة وَقال أبو إسحاق: وأما قول ذي الرُّمَّة:
إذا حَثَّهُنََّ الرَّكبُ في مُدْلهِمَّة ... أحاديثُها مثلُ اصطخاب الضّرائر
قال أبو إسحاق: يكون في النَّهار ساعاتٌ ترى الشّخص الصَّغيرَ في تلك المهامهِعظيماً، ويُوجَد الصَّوت الخافضُ رفيعاً، ويُسمع الصَّوتُ الذي ليس بالرَّفيع معانبساط الشّمس غدوة من المكان البعيد؛ ويُوجَد لأوساط الفَيافي والقِفار والرِّمالوالحرار، في أنصاف النّهار، مثلُ الدَّويّ من طبع ذلك الوقت وذلك المكان، عند مايعرض له، ولذلك قال ذو الرُّمَّة:
إذا قال حادينا لتَشْبيهِ نَبأةٍ ... صَهٍ لم يكنْ إلا دويُّ المسامع
قالوا: وبالدَّويّ سمِّيت دوِّيّة وداوية، وبه سمِّي الدوّ دَوّاً.


تعليل ما يتخيله الأعراب من عزيف الجنان وتغول الغيلان
وكان أبو إسحاق يقول في الذي تذكر الأعرابُ من عزيف الجنان، وتغوُّل الغيلان: أصلُهذا الأمر وابتداؤه، أنّ القوم لما نزلوا بلاد الوحش، عملتْ فيهم الوَحْشة، ومنانفردَ وطال مُقامُه في البلاد والخلاء، والبعد من الإنس - استوحَش، ولا سيَّما معقلة الأشغال والمذاكرين.
والوَحدةُ لاتقطع أيامهم إلا بالمُنى أو بالتفكير، والفكرُ ربما كان من أسباب الوَسوَسة،وقد ابتلى بذلك غيرُ حاسب، كأبي يس ومُثَنًّّى ولد القُنافر.
وخبَّرني الأعمش أنه فكّر في مسألة، فأنكر أهله عقله، حتّى حَمَوه وداووه.
وقد عرض ذلك لكثير من الهند.
وإذا استوحشَ الإنسانُ تمثّل له الشّيء الصغيرُ في صورة الكبير، وارتاب، وتفرَّقذهُنه، وانتقضت أخلاطُه، فرأى ما لا يُرى، وسمع ما لا يُسمع، وتوهم على الشيءاليسير الحقير، أنه عظيمٌ جليل.
ثمَّ جعلوا ما تصوَّر لهم من ذلك شعرا تناشدوه، وأحاديث توارثوها فازدادوا بذلكإيماناً، ونشأ عليه الناشئ، ورُبّي به الطِّفل، فصار أحدهم حين يتوسَّط الفيافيَ،وتشتملُ عليه الغيظان في اللَّيالي الحنادس - فعند أوَّل وحْشةٍ وفزْعة، وعند صياحبُوم ومجاوبة صدًى، وقد رأى كلَّ باطل، وتوهَّم كلَّ زُور، وربما كان في أصلالخلْق والطبيعة كذّاباً نفّاجاً، وصاحبَ تشنيعٍ وتهويل، فيقولُ في ذلك من الشِّعرعلى حسب هذه الصِّفة، فعند ذلك يقول: رأيتُ الغيلان وكلّمت السِّعلاة ثمَّ يتجاوزُذلك إلى أن يقول قتلتها، ثم يتجاوزُ ذلك إلى أن يقول: رافَقتها ثمَّ يتجاوز ذلكإلى أن يقول: تزوَّجتها.
قال عُبيد بن أيُّوب:
فللّه دَرُّ الغُولِ أيُّ رَفيقةٍ ... لصاحبِ قفْرٍ خائفٍ متقتّرِ
وقال:
أهذا خَليلُ الغولِ والذئبِ والذي ... يهيمُ بَرَبَّاتِ الحِجالِ الهَرَاكِلِ
وقال:

أَخُو قَفَرَاتٍ حالَفَ الجِنّوانتَفَى ... من الإنْسِ حتَّى قد تقضّت وسائله
له نسَبُ الإنْسيِّ يُعْرَفُ نجله ... وللجنِّ منهُ خَلْقُه وشمائله
وممّا زادهم في هذا الباب، وأغراهم به، ومدَّ لهم فيه، أنهم ليس يلقون بهذهالأشعار وبهذه الأخبار إلا أعرابيّاً مثلهم، وإلا عَامِّيّاً لم يأخُذْ نفسه قطبتمييز ما يستوجب التّكذيب والتّصديق، أو الشّكّ، ولم يسلُك سبيلَ التوقف والتثبّتفي هذه الأجناس قطّ، وإمَّا أن يَلقَوْا رَاوِيَة شعر، أو صاحب خبَر، فالرّاويةكلّما كان الأعرابيُّ أكذبَ في شعره كان أطْرَف عِنْده، وصارت روايتُه أغلبَ،ومضاحيكُ حديثه أكثر فلذلك صار بعضهم يدّعي رؤية الغُول، أو قتلها، أو مرافقتها،أو تزويجها؛ وآخر يزعم أنّه رافقَ في مفازةٍ نمراً، فكان يطاعمه ويؤاكله، فمنهؤلاء خاصّة القَتّال الكِلابي؛ فإنّه الذي يقول:
أيرسِلُ مَرْوانُ الأميرُ رسالة ... لآتيه إني إذاً لَمَصلَّلُ
وما بي عِصْيانٌ ولا بُعدُ منزل ... ولكنّني من خوْف مَرْوانَ أوجلُ
وفي باحة العَنْقاء أو في عَمايةٍ ... أو الأُدَمِى من رَهْبةِ الموتِ مَوْئلُ
ولي صاحبٌ في الغارِ هَدَّكَ صاحباً ... هو الجَون إلاّ أنه لا يعلّل
إذا ما التقَينا كان جُلّ حديثنا ... صُماتٌ وطرْفٌ كالمعَابلِ أطْحَلُ
تَضَمَّنَتِ الأرْوَى لنا بطعامِنا ... كِلانا له منها نَصيبُ ومأكلُ
فأغلِبُه في صَنْعة الزّادِ إنّني ... أُميطُ الأذى عنه ولا يتأمَّلُ
وكانتْ لنا قَلتٌ بأرض مَضَلَّةٍ ... شريعتُنا لأيّنا جاءَ أوَّلُ
كلانا عدُوٌّ لو يرى في عدُوِّه ... مَحزّاً وكلٌّ في العداوة مُجْمِلُ
وأنشد الأصمعيّ:
ظللْنَا معاً جارَينْ نحترسُ الثَّأى ... يُسائرُني من نُطفةٍ وأسائرُهْ
ذكر سبعاً ورجُلاً، قد ترافقا، فصار كلُّ واحدٍ منهما يدَعُ فضْلاً من سُؤرهليشرَبَ صاحبه، الثَّأى: الفساد، وخبّر أنّ كلّ واحد منهما يحترس من صاحبه.
وقد يستقيمُ أن يكونَ شعر النابغة في الحية، وفي القتيلِ صاحب القَبْر، وفي أخيهالمصالح للحيةِ أن يكون إنما جعل ذلك مثلاً، وقد أثبتناهُ في باب الحيات، فلذلك كرهناإعادَته في هذا الموضع، فأما جميع ما ذكرناه عنهم فإنما يخبرون عنه من جهةالمعاينَة والتّحقيق، وإنما المثل في هذا مثل قوله:
قد كان شيطانك منْ خطّابها ... وكان شيطاني منْ طُلاَّبِها
حيناً فلمّا اعتَركا ألْوى بها
الاشتباه في الأصوات والإنسان يجوع فيسمع في أذنه مثل الدويّ، وقال الشاعر:
دويُّ الفَيَافي رَابه فكأنّه ... أَميمٌ وسارِي اللَّيلِ للضُّرِّ مُعْوِرُ
مُعْوِر: أي مُصْحِر.
وربما قال الغلام لمولاه: أدعوتني؟ فيقول له: لا، وإنما اعترى مسامعه ذلك لعرضٍ،لا أنَّه سمعَ صوتاً.
ومن هذا الباب قول تأبَّط شراً، أو قول قائل فيه في كلمة له:
يَظَلُّ بمَوّْماةٍ ويُمسي بقَفرَةٍ ... جَحِيشاً ويَعرَوْرِي ظهورَ المهالِكِ
ويَسْبِقُ وقدَ الرِّيح من حَيث ينْتحي ... بمنخَرِقٍ من شَدِّهِ المتدارِكِ
إذا خاطَ عَينَيه كَرى النَّوم لم يزَلْ ... له كالئٌ من قَلبِ شَيْحانَ فاتكِ
ويجعلُ عينيه رَبيئةَ قلبهِ ... إلى سلَّةٍ من حَدِّ أخْضَر باتكِ
إذا هزَّه في عَظم قِرْنٍ تهلَّلتْ ... نواجذُ أفواهِ المنايا الضّواحكِ
يَرى الإنس وحْشيَّ الفَلاة ويهتدي ... بحيث اهتدتْ أمُّ النجومِ الشّوابكِ
نزول العرب بلاد الوحش والحشرات والسباع ويدلُّ على ما قال أبو إسحاق، من نزولهمفي بلاد الوحْش وبينَ الحشَراتِ والسِّباع، ما رواه لنا أبو مُسْهرٍ، عن أعرابيٍّمن بني تميم نزل ناحية الشَّام، فكان لا يَعْدِمُهُ في كلِّ ليلة أن يعضَّه أويَعضَّ ولدَه أو بعضَ حاشيته سبعٌ من السباع، أو دابّة من دوابّ الأرض فقال:

تعاوَرَني دَينٌ وذُلٌّ وغُربةٌ ...ومَزّقَ جلدي نابُ سبْع ومِخْلبُ
وفي الأرض أحناشٌ وسَبْع وحاربٌ ... ونحن أُسارَى وَسْطَهَا نتقلبُ
رُتَيْلا وطَبُّوعٌ وشِبْثَان ظُلْمةٍ ... وأرقطُ حُرْقُوصٌ وضَمْجٌ وعَقْربُ
ونمل كأشخاصِ الخنافس قُطَّبٌ ... وأرْسالُ جعلانٍ وهَزْلى تَسَرَّبُ
وعُثٌّ وحُفّاثٌ وضَبٌّ وعِربِدٌ ... وذرٌّ ودَحّاس وفَارٌ وعقربُ
وهرٌّ وظِرْبانٌ وسِمْعٌ ودَوْبَلٌ ... وثُرْمُلةٌ تجرِي وسِيدٌ وثعلبُ
ونمر وفَهْدٌ ثم ضبعٌ وجَيألٌ ... وليثٌ يجُوس الألف لا يتهيّبُ
ولم أرَ آوى حيث أسمعُ ذِكرَه ... ولا الدُّبَّ إنّ الدُّبَّ لا يتنسَّبُ
فأما الرُّتَيلا والطَّبُّوع، والشَّبَث، والحُرقوص، والضّمجُ والعنكبوت،والخنفُساء، والجُعَل، والعُثّ، والحُفَّاث، والدّحّاس والظّرِبان، والذِّئب،والثَّعلب، والنمر، والفَهْد، والضّبع، والأسد - فسنقول في ذلك إذا صرنا إلى ذكرهذه الأبواب، وقبل ذلك عند ذِكر الحشرات، فأما الضّبُّ والورَل، والعقرب، والجُعل،والخنفساء، والسِّمْع فقد ذكرنا ذلك في أوّل الكتاب، وأما قوله: وهَزْلى تسربفالهزْلى هي الحيات، كما قال جَرير:
مَزَاحف هزْلَى بينها متباعدُ
وكما قال الآخر:
كأنَّ مَزَاحِفَ الهَزْلى عليها ... خدودُ رصائعٍ جُدِلَتْ تُؤَامَا
وأما قوله:
ولم أر آوَى حيثُ أسمع ذِكرَه
فإنّ ابنَ آوى لا ينزِلُ القفار، وإنّما يكونُ حيث يكونُ الريف.
وينبغي أن يكونَ حيث قال هذا الشّعر توهَّم أنّه ببياض نجد.
وأمَّا قوله:
ولا الدبَّ إنَّ الدبَّ لا يتنسَّبُ
فإنّ الدبَّ عندهم عجميٌّ، والعجميُّ لا يقيم نسبَه.

بابالجِدِّ من أمْر الجِنّ
ليس هذا، حفظك اللّه تعالى، من الباب الذي كُنَّا فيه، ولكنّه كان مُستراحاًوجماماً، وسنقول في باب من ذكر الجنّ، لتنتفع في دِينك أشد الانتفاع، وهو جِدٌّكلُّه.
والكلام الأوّل وما يتلوه من ذكر الحشرات، ليس فيه جِدٌّ إلاّ وفيه خَلْطٌ منهزْل، وليس فيه كلامٌ صحيح إلا وإلى جنبه خرافة، لأن هذا الباب هكذا يقع.
وقد طعن قومٌ في استراق الشَّياطينِ السمعَ بوجوهٍ من الطَّعن، فإذْ قد جرى لها منالذّكر في باب الهزْل ما قد جرى، فالواجبُ علينا أن نقول في باب الجدِّ، وفيما يردعلى أهل الدِّين بجملة، وإن كان هذا الكتابُ لم يُقصد به إلى هذا الباب حيثُابتدئ، وإن نحنُ استقصيناه كنَّا قد خرجْنا من حدِّ القول في الحيوان، ولكنا نقولبجملةٍ كافية، واللّه تعالى المعين على ذلك.


رد على المحتجّين لإنكار استراق السمع بالقرآن

قال قوم: قد علمنا أن الشياطينَ ألطفلطافةً، وأقلُّ آفَةً، وأحدُّ أذهاناً، وأقلُّ فضُولاً، وأخفُّ أبداناً، وأكثرُمعرفةً وأدقُّ فِطنةً منّا، والدّليلُ على ذلك إجماعهم على أنّه ليس في الأرضبدعةٌ بديعةٌ، دقيقةٌ ولا جليلة، ولا في الأرض مَعصِيةٌ من طريق الهوى والشّهوة،خفيّةً كانت أو ظاهرة، إلاّ والشَّيطانُ هو الدَّاعي لها، والمزيِّنُ لها، والذييفتحُ بابَ كلِّ بلاء، ويَنصِب كلَّ حبالةٍ وخدعة، ولم تَكن لتَعرِف أصناف جميعالشرور والمعاصي حتى تَعرف جميعَ أصناف الخير والطّاعات.
ونحن قد نجدُ الرّجلَ إذا كان معه عقْل، ثمّ عِلم أنّه إذا نقب حائطاً قُطِعتيدهُ، أو أسمع إنساناً كلاماً قطع لسانه، أويكونُ متى رام ذلك حِيلَ دونَه ودونَما رام منْهُ - أنّه لايتكلّف ذلك ولا يرُومه، ولا يحاولُ أمراً قد أيقَنَ أنّه لايبلغهُ.
وأنتم تزعمون أنّ الشّياطين الذين هم على هذه الصِّفة كلّما صعِد منهم شيطانٌليسترقَ السّمعَ قُذِف بشهاب نار، وليس له خواطئ، فإمَّا أن يكون يصيبه، وإمَّاأنْ يكون نذيراً صادقاً أو وعيداً إنْ يقدمْ عليه رمى به، وهذه الرُّجوم لا تكونإلا لهذه الأمور، ومتى كانت فقد ظهر للشَّيطان إحراق المستمع والمسترِق، والموانعدون الوصول ثمَّ لا نرى الأوَّلَ ينهي الثّاني، ولا الثّاني ينهي الثّالث، ولاالثّالث ينهي الرّابع عَجَب، وإن كان الذي يعود غيرَه فكيف خفي عليه شأنهم، وهوظاهر مكشوف؟.
وعلى أنّهم لم يكونوا أعلَمَ منّا حتّى ميّزوا جميع المعاصي من جميع الطاعات، ولولاذلك لدعوا إلى الطّاعة بحساب المعصية، وزينّوا لها الصَّلاح وهم يريدون الفساد،فإذا كانوا ليسوا كذلك فأدنى حالاتهم أن يكونوا قد عرفوا أخبار القرآن وصدقوها،وأنّ اللّه تعالى محقّق ما أوعَدَ كما يُنجِز ما وعد، وقد قال اللّه عزّ وجل:" وَلقَدْ زَيَّنّا السَّماء الدُّنيا بِمَصابيح وجَعَلْنَاها رُجُوماًللشَّياطينِ " ، وقال تعالى: " وَلَقَدْ جَعَلْنَا في السَّماءٍبُرُوجاً وَزَيَّنّاها للنَّاظِرينَ، وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كلِّ شَيْطان رَجيمٍ" وقال تعالى: " إنّا زَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينةٍالْكَوَاكِبِ وحفْظاً منْ كلِّ شَيْطانٍ ماردٍ " وقال تعالى: " هَلْأُنَبِّئكمْ عَلَى مَنْ تَنَزّلُ الشّياطينُ تنَزَّلُ على كلِّ أفّاكٍ أثيمٍ،يُلْقون السَّمعَ وأكثَرُهم كاذِبُون " مع قولِ الجنّ: " أنَّا لانَدْري أشَرٌّ أُرِيدَ بمَنْ في الأرْضِ أمْ أرَاد بهمْ رَبُّهم رَشَداً "وقولهم: " أَنَّا لَمسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلئَتْ حَرساً شديداًوَشُهُباً، وأنّا كنَّا نقعُدُ منْهَا مقَاعِد للسَّمع فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنيَجدْ لَهُ شِهَاباً رصَداً " .


فكيف يسترق السَّمع الذين شاهدوا الحالَتين جميعاً، وأظهروا اليقين بصحَّة الخيربأنَّ للمستمع بعد ذلك القذْفَ بالشُّهب، والإحراقَ بالنار، وقوله تعالى: "إنَّهُمْ عَنِ السَّمعِ لَمعْزولُونَ " وقوله تعالى: " وَحفْظاً مِنْكلِّ شيْطاَنٍ مَاردٍ، لا يَسَّمَّعُون إلى الْملإ الأعْلى وَيُقْذَفُون مِن كُلِّجانبٍ دُحوراً وَلَهُمْ عذَابٌ وَاصِبُ " في آيٍ غيرِ هذا كثير، فكيفيعُودُون إلى استراق السَّمع، مع تيقنهم بأنَّه قد حُصِّن بالشهب، ولو لم يكونوامُوقِنين من جهة حقائق الكِتاب، ولا من جهة أنّهم بَعْدَ قعودِهم مقاعدَ السَّمْعلمَسُوا السَّماء فوَجَدوا الأمرَ قد تغيَّر - لكانَ في طول التَّجْربة والعِيانالظّاهِر، وفي إخبار بعضِهم لبعض، ما يكونُ حائلاً دُونَ الطّمع وقاطعاً دونالتماس الصُّعود وبعد فأيُّ عاقل يُسرُّ بأنْ يسمع خبراً وتُقطعَ يدهُ فضْلاً عنأن تحرقه النَّار؟ وبعد فأيُّ خبر في ذلك اليوم؟ وهل يصِلون إلى النَّاس حتَّىيجعلوا ذلك الخبَر سبباً إلى صرْف الدّعوَى؟ قيل لهم: فإنّا نقول بالصّرْفة فيعامَّة هذه الأصول، وفي هذه الأبواب، كنحو ما أُلقي على قلوب بني إسرائيل وهميجُولون في التِّيهِ، وهم في العدد وفي كثرة الأدِلاَّء والتجّار وأصحاب الأسفار،والحمّارين والمُكارينَ، من الكثْرَة على ما قد سمعتم به وعرَفْتموه؛ وهم مع هذايمشُون حتّى يُصبِحوا، مع شدّة الاجتهاد في الدَّهر الطويل، ومع قُرْب ما بينَطرفي التِّيه، وقد كان طريقاً مسلوكاً، وإنّما سمَّوه التّيه حين تاهوا فيه، لأنَّاللّه تعالى حين أرادَ أن يمتحِنَهم ويبتلِيهم صرَف أوهامَهم.


ومثل ذلك صنيعُه في أوهام الأُمة التي كان سُليمان مَلِكَها ونبيّها، مع تسخيرالريح والأعاجيبِ التي أُعطِيَها، وليس بينهم وبين ملِكهم ومملكتهم وبين مُلك سَبأومملكةِ بِلقيس ملِكتهم بحارٌ لا تُركب، وجبالٌ لا تُرام، ولم يتسامَعْ أهلالمملكتين ولا كان في ذكرهم مكانُ هذه الملِكة.
وقد قلنا في باب القول في الهُدهُد ما قلنا، حين ذكرنا الصَّرفة، وذكرنا حالَيعقوب ويوسف وحالَ سليمان وهو معتمدٌ على عصاه، وهو مَيِّتٌ والجنُّ مُطيفة به وهملا يشعُرون بموته، وذكرنا من صَرْف أوهام العرَب عن محُاولة معارضة القرآن، ولميأتوا به مضطرِباً ولا مُلَفَّقاً ولا مُستكرَهاً؛ إذا كان في ذلك لأهل الشَّغبِمتعلّق، مع غير ذلك، ممّا يُخالَف فيه طريقُ الدُّهريّة، لأنّ الدّهريّ لا يُقرإلاّ بالمحسوسات والعادات على خلاف هذا المذهب.
ولعمري ما يستطيعُ الدّهريّ أن يقولَ بهذا القول ويحتجَّ بهذه الحجّة، ما دام لايقول بالتّوحيد، وما دام لا يعرف إلا الفَلك وعمَلَه، ومادام يرى أن إرسال الرسُليستحيل، وأن الأمر والنَّهي، والثوابَ والعقاب على غير ما نقول، وأنّ اللّه تعالىلا يجوز أن يأمر من جهة الاختبار إلا من جهة الحزْم.
وكذلك نقول ونزعم أن أوهَام هذه العفاريت تُصرف عن الذكر لتقع المحنة، وكذلك نقولفي النبي صلى اللّه عليه وسلم أنْ لو كانَ في جميع تلك الهزاهز مَنْ يذكر قولهتعالى: " واللّه يَعصِمُك من النّاسِ " لسَقَطَ عنه من المحنة أغلظها،وإذا سقطَت المحنة لم تكن الطاعة والمعصية، وكذلك عظيم الطاعة مقرونٌ بعظيمالثّواب.
وما يصنع الدهري وغير الدّهري بهذه المسألة وبهذا التسطير؟ ونحن نقول: لو كانإبليس يذكر في كلِّ حال قوله تعالى: " وَإنَّ عَليْكَ اللّعْنَةَ إلى يَوْمِالدِّينِ " وعلم في كلِّ حالٍ أنّه لا يُسْلِمُ لوَجَبَ أن المحنة كانت تسقطعنه، لأن من علِم يقيناً أنّه لا يمضي غداً إلى السوق ولايقبض دراهمَه من فلان، لميطمع فيه، ومن لم يطَمعْ في الشيء انقطعت عنه أسباب الدواعي إليه، ومن كان كذلكفمُحالٌ أن يأتيَ السّوق.
فنقول في إبليس: إنه يَنْسى ليكون مُختَبراً ممتَحناً فليعلموا أن قولنا في مسترقيالسمع كقولنا في إبليس، وفي جميع هذه الأمور التي أوْجَبَ علينا الدِّين أن نقولَفيها بهذا القول. وليس له أن يدفَع هذا القولَ على أصل ديننا، فإن أحبَّ أن يسألعن الدين الذي أوجب هذا القول علينا فيلفعَلْ، واللّه تعالى المعين والموفِّق.
وأما قولهم: منْ يُخاطر بذَهابِ نفْسِه لخبرٍ يستفيده فقد علِمْنا أن أصحابالرِّياساتِ وإن كان متبيَّناً كيف كان اعتراضهم على أنّ أيسر ما يحتملون في جَنْبتلك الرِّياسات القتل.
ولعلّ بعض الشّياطين أن يكون معه من النّفْخ وحب الرِّياسة ما يهوِّن عليه أن يبلغدُوَين المواضع التي إن دنا منها أصابه الرَّجْم، والرَّجمُ إنما ضمن أنه مانع منالوصول، ويعلم أنه إذا كان شهاباً أنه يُحرقه ولم يضمن أنه يتلف عنه، فما أكثر منتخترقه الرِّماح في الحرب ثم يعاودُ ذلك المكان ورزقُه ثمانون دِيناراً ولا يأخذإلا نصفه، ولا يأخذه إلا قمحاً، فلولا أن مع قَدَم هذا الجنديِّ ضروباً مما يهزُّهوينجِّده ويدعو إليه ويُغْريه - ما كان يعود إلى موضعٍ قد قطعت فيه إحدى يديه، أوفقئت إحدى عينَيه.


ولِمَ وقع عليه إذاً اسمُ شيطان،وماردٍ، وعفريتٍ، وأشباه ذلك؟ ولِمَ صار الإنسانُ يُسمَّى بهذه الأسماء، ويوصَفبهذه الصفات إذا كان فيه الجزء الواحد من كلِّ ما همْ عليه؟.
وقالوا في باب آخر من الطّعن غير هذا، قالوا في قوله تعالى: " وَأنَّا كُنَّانَقْعُدُ مِنْها مَقَاعِدَ للِسّمْعِ فَمَنْ يسْتَمعِ الآن يَجدْ لَهُ شِهاباًرصداً " فقالوا: قد دلَّ هذا الكلام على أن الأخبار هناك كانت مُضَيَّعةًحتّى حُصِّنت بعد، فقد وصفْتُم اللّه تعالى بالتَّضييع والاستِدْراك.
قلنا: ليس في هذا الكلام دليلٌ على أنهم سمعوا سِرّاً قط أوْ هجموا على خبر إنأشاعوه فسد به شيءٌ من الدين، وللملائكةِ في السَّماء تسبيحٌ وتهليلٌ، وتكبيرٌوتلاوة، فكان لا يبلغُ الموضعَ الذي يُسمَعُ ذلك منه إلا عفاريتُهم.
وقد يستقيم أن يكون العفريتُ يكذب ويقولُ: سمعت ما لم يَسْمع ومتى لم يكن على قولهبرهانٌ يدلُّ على صدقه فإنما هو في كذبه من جنس كلِّ متنبئٍ وكاهن، فإن صدقه مصدقٌبلا حُجَّة فليس ذلك بحجّةٍ على اللّه وعلى رسوله صلى اللّه عليه وسلم.
المحتجون بالشعر لرجم الشياطين قبل الإسلام وذهب بعضهم في الطّعن إلي غير هذهالحُجّة، قالوا: زعمتم أن اللّه تعالى جعل هذه الرَّجومَ للخوافي حُجّة للنبي صلىاللّه عليه وسلم، فكيف يكون ذلك رَجْماً، وقد كان قبل الإسلام ظاهراً مرْئيّاً،وذلك موجودٌ في الأشعار، وقد قال بشر بن أبي خازم في ذلك:
فجأجأها من أول الرِّيِّ غُدوة ... وَلَمَّا يسَكّنْهُ من الأرْضِ مَرْتعُ
بأكْلبةٍ زُرْقٍ ضوارٍ كأنّها ... خطاطيفُ من طول الطريدة تلمعُ
فجال على نَفْر تعرُّضَ كوكبٍ ... وقد حالَ دُون النّقْعِ والنّقْعُ يسْطَعُ
فوصف شَوْط الثّور هارباً من الكلابِ بانقضاض الكَوكب في سُرعته، وحُسْنه، وبريقجلده، ولذلك قال الطّرِمّاح:
يَبْدُو وتُضْمِرُه البلاد كأنّهُ ... سيفٌ علَى شَرَفٍ يُسَلُّ ويُغْمَدُ
وأنشد أيضاً قولَ بِشْر بن أبي خازم:
وتشُجُّ بالعير الفلاة كأنّهَا ... فتْخاءُ كاسِرةٌ هَوَتْ من مرْقبِ
والعير يُرْهِقُها الخبَار وجَحشُها ... ينقضُّ خلْفهُما انْقِضاض الكوكبِ
قالوا: وقال الضّبّي:
يَنَالها مهتك أشْجارها ... بذي غُروب فيه تحريبُ
كأنّه حيِنَ نَحَا كوكبٌ ... أو قبَسٌ بالكفِّ مشبوبُ
وقال أوس بن حَجَر:
فانقضَّ كالدّريءِ يَتْبَعُهُ ... نَقْع يثُورُ تخالُه طُنُبَا
يَخفى وأحياناً يلوح كما ... رفع المشيرُ بكفِّهِ لهبَا
ورووا قوله:
فانقضَّ كالدّرّي من مُتَحدِّر ... لَمْعَ العقيقةِ جُنْحَ لَيل مُظْلِمِ
وقال عَوْف بن الخرِع:
يردُّ علينا العَيْرَ من دون أَنْفه ... أو الثَّوْر كالدُّرّي يتْبَعُهُ الدَّمُ
وقال الأفوه الأودي:
كشِهاب القَذفِ يَرمِيكُمْ به ... فارسٌ في كفِّه للحَرْبِ نارُ
وقال أُميَّةُ بن أبي الصّلْت:
وترى شياطيناً تَرُوغُ مُضافةً ... ورَواغُها شتّى إذا ما تُطْرَدُ
يُلْقى عليها في السَّماء مذلَّة ... وكواكبٌ تُرمى بها فتعرِّدُ
قلنا لهؤلاء القوم: إن قَدَرتم على شعرٍ جاهليٍّ لم يُدرِكْ مَبعث النبي صلى اللهعليه وسلم ولا مَولِده فهو بعضُ ما يتعلَّق به مثلُكم، وإن كان الجوابُ في ذلكسيأتيكم إن شاء اللّه تعالى، فأما أشعار المخضْرمين والإسلاميّين فليس لكم في ذلكحُجَّة، والجاهليُّ ما لم يكن أدرك المولد، فإنَّ ذلك ممَّا ليس ينبغي لكم أنتتعلَّقوا به، وبِشرُ بنُ أبي خازم فقد أدرك الفِجار، والنبي صلى الله عليه وسلمشهِد الفِجار، وقال: شهدتُ الفجار فكنْتُ أنبل على عمومتي وأنا غلام.


والأعلام ضروب، فمنها ما يكون كالبشارات في الكتب، لكون الصِّفة إذا واقفت الصِّفةالتي لا يقع مثلها اتفاقاً وعرضاً لزمتْ فيه الحجة، وضروبٌ أُخَرُ كالإرهاص للأمر،والتأسيس له، وكالتعبيد والترشيح، فإنَّه قلَّ نبيٌّ إلاّ وقد حدثت عند مولده، أوقُبيلَ مولِده، أو بعد مولده أشياءُ لم يكنْ يحدُث مثلُها، وعند ذلك يقول الناس:إنّ هذا لأَمرٍ، وإنّ هذا ليراد به أمرٌ وقع، أو سيكون لهذا نبأ، كما تراهم يقولونعند الذوائب التي تحدث لبعض الكواكب في بعض الزمان، فمن التّرشيح والتَّأسيسوالتَّفخيم شأنُ عبد المطلب عند القُرعة، وحين خروج الماء من تحت رُكْبة جملة، وماكان من شأن الفيل والطيرِ الأبابيل وغير ذلك، مما إذا تقدم للرّجل زاد في نُبلهوفي فَخامة أمره، والمتوقَّع أبدا
خالد براهمه
خالد براهمه
Admin

عدد المساهمات : 558
تاريخ التسجيل : 13/09/2010
العمر : 67

https://doctor-khalid.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى