بحـث
المواضيع الأخيرة
مايو 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | ||
6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 |
13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 |
20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 |
27 | 28 | 29 | 30 | 31 |
دخول
الطب النبــــــــوي الجزء الثالث (3)
وأذا مرضت فهو يشفين :: الفئة الأولى :: العلاج بالقرأن الكريم :: علاج السحر واللبس والمس بالقرأن الكريم
صفحة 1 من اصل 1
الطب النبــــــــوي الجزء الثالث (3)
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في رقيةالقرحة والجرح
أخرجا في الصحيحين عنعائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحةأو جرح ، قال بأصبعه : هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ، ثم رفعها ، وقال : "بسم الله ، تربة أرضنا بريقة بعضنا ، يشفى سقيمنا بإذن ربنا " .
هذا من العلاج الميسر النافع المركب ،وهي معالجة لطيفة يعالج بها القروح والجراحات الطرية ، لا سيما عند عدم غيرها منالأدوية إذ كانت موجودة بكل أرض ، وقد علم أن طبيعة التراب الخالص بادرة يابسةمجففة لرطوبات القروح والجراحات التي تمنع الطبيعة من جودة فعلها ، وسرعة اندمالها، لا سيما في البلاد الحارة ، وأصحاب الأمزجة الحارة ، فإن القروح والجراحاتيتبعها في أكثر الأمر سوء مزاج حار ، فيجتمع حرارة البلد والمزاج والجراح ، وطبيعةالتراب الخالص باردة يابسة أشد من برودة جميع الأدوية المفردة الباردة ، فتقابلبرودة التراب حرارة المرض ، لا سيما إن كان التراب قد غسل وجفف ، ويتبعها أيضاًكثرة الرطوبات الرديئة ، والسيلان ، والتراب مجفف لها ، مزيل لشدة يبسه وتجفيفهللرطوبة الرديئة المانعة من برئها ، ويحصل به - مع ذلك - تعديل مزاج العضو العليل، ومتى اعتدل مزاج العضو قويت قواه المدبرة ، ودفعت عنه الألم بإذن الله .
ومعنى الحديث : أنه يأخذ من ريق نفسهعلى أصبعه السبابة ، ثم يضعها على التراب ، فيعلق بها منه شئ ، فيمسح به على الجرح، ويقول هذا الكلام لما فيه من بركة ذكر اسم الله ، وتفويض الأمر إليه ، والتوكلعليه ، فينضم أحد العلاجين إلى الآخر ، فيقوى التأثير .
وهل المراد بقوله : تربةأرضنا جميع الأرض أو أرض المدينة خاصة ؟ فيه قولان ، ولا ريب أن من التربةما تكون فيه خاصية ينفع بخاصيته من أدواء كثيرة ، ويشفي به أسقاماً رديئة . قالجالينوس : رأيت بالإسكندرية مطحولين ، ومستسقين ، كثيراً يستعملون طين مصر ،ويطلون به على سوقهم ، وأفخاذهم ، وسواعدهم ، وظهورهم ، وأضلاعهم ، فينتفعون بهمنفعة بينة . قال : وعلى هذا النحو فقد ينفع هذا الطلاء للأورام العفنة والمترهلةالرخوة ، قال : وإني لأعرف قوماً ترهلت أبدانهم كلها من كثرة استفراغ الدم من أسفل، انتفعوا بهذا الطين نفعاً بيناً ، وقوماً آخرين شفوا به أوجاعاً مزمنة كانتمتمكنة في بعض الأعضاء تمكناً شديداً ، فبرأت وذهبت أصلاً . وقال صاحب الكتابالمسيحي : قوة الطين المجلوب من كنوس - وهي جزيرة المصطكى - قوة تجلو وتغسل ،وتنبت اللحم في القروح ، وتختم القروح . انتهى .
وإذا كان هذا في هذه التربات ، فماالظن بأطيب تربة على وجه الأرض وأبركها ، وقد خالطت ريق رسول الله صلى الله عليهوسلم ، وقارنت رقيته باسم ربه ، وتفويض الأمر إليه ، وقد تقدم أن قوى الرقيةوتأثيرها بحسب الراقي ، وانفعال المرقي عن رقيته ، وهذا أمر لا ينكره طبيب فاضلعاقل مسلم ، فإن انتفى أحد الأوصاف ، فليقل ما شاء .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاجالوجع بالرقية
روى مسلم في صحيحه عنعثمان بن أبي العاص ، أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده فيجسده منذ أسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ضع يدك على الذي تألم منجسدك وقل : بسم الله ثلاثاً ، وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجدوأحاذر " ففي هذا العلاج من ذكر الله ، والتفويض إليه ، والإستعاذة بعزتهوقدرته من شر الألم ما يذهب به ، وتكراره ليكون أنجع وأبلغ ، كتكرار الدواء لأخراجالمادة ، وفي السبع خاصية لا توجد في غيرها ، وفي الصحيحين : أن النبيصلى الله عليه وسلم ، كان يعوذ بعض أهله ، يمسح بيده اليمنى ، ويقول : "اللهم رب الناس ، أذهب الباس ، واشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لايغادر سقماً " . ففي هذه الرقية توسل إلى الله بكمال ربوبيته ، وكمال رحمتهبالشفاء ، وأنه وحده الشافى ، وأنه لا شفاء إلا شفاؤه ، فتضمنت التوسل إليهبتوحيده وإحسانه وربوبيته .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاجحر المصيبة وحزنها
قال تعالى : " وبشر الصابرين *الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات منربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " [ البقرة : 155 ] . وفي المسند عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من أحد تصيبه مصيبة فيقول : إنالله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ، إلا أجارهالله في مصيبته ، وأخلف له خيراً منها " .
وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب ،وأنفعه له في عاجلته وآجلته ، فإنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتهماتسلى عن مصيبته .
أحدهما : أن العبد وأهله وماله ملكلله عز وجل حقيقة ، وقد جعله عند العبد عارية ، فإذا أخذه منه ، فهو كالمعير يأخذمتاعه من المستعير ، وأيضاً فإنه محفوف بعدمين : عدم قبله ، وعدم بعده ، وملكالعبد له متعة معارة في زمن يسير ، وأيضاً فإنه ليس الذي أوجده عن عدمه ، حتى يكونملكه حقيقة ، ولا هو الذي يحفظه من الآفات بعد وجوده ، ولا يبقي عليه وجوده ، فليسله فيه تأثير ، ولا ملك حقيقي ، وأيضاً فإنه متصرف فيه بالأمر تصرف العبد المأمور المنهي، لا تصرف الملاك ، ولهذا لا يباح له من التصرفات فيه إلا ما وافق أمر مالكهالحقيقي .
والثاني : أن مصير العبد ومرجعه إلىالله مولاه الحق ، ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره ، ويجيء ربه فرداً كما خلقهأول مرة بلا أهل ولا مال ولا عشيرة ، ولكن بالحسنات والسيئات ، فإذا كانت هذهبداية العبد وما خوله ونهايته ، فكيف يفرح بموجود ، أو يأسى على مفقود ، ففكره فيمبدئه ومعاده من أعظم علاج هذا الداء ، ومن علاجه أن يعلم علم اليقين أن ما أصابهلم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه . قال تعالى : " ما أصاب من مصيبةفي الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور " [الحديد : 22 ] .
ومن علاجه أن ينظر إلى ما أصيب به ،فيجد ربه قد أبقى عليه مثله ، أو أفضل منه ، وادخر له - إن صبر ورضي - ما هو أعظممن فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي .
ومن علاجه أن يطفئ نار مصيبته ببردالتأسي بأهل المصائب ، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد ، ولينظر يمنة ، فهل يرى إلامحنة ؟ ثم ليعطف يسرة ، فهل يرى إلا حسرة ؟ ، وأنه لو فتش العالم لم ير فيهم إلامبتلى ، إما بفوات محبوب ، أو حصول مكروه ، وأن شرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً ، أبكت كثيراً ، وإن سرت يوماً ، ساءت دهراً ، وإن متعت قليلاً، منعت طويلاً ، وما ملأت داراً خيرة إلا ملأتها عبرة ، ولا سرته بيوم سرور إلاخبأت له يوم شرور ، قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : لكل فرحة ترحة ، وما ملئ بيتفرحاً إلا ملئ ترحاً . وقال ابن سيرين : ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء .
وقالت هند بنت النعمان : لقد رأيتناونحن من أعز الناس وأشدهم ملكاً ، ثم لم تغب الشمس حتى رأيتنا ونحن أقل الناس ،وأنه حق على الله ألا يملأ داراً خيرة إلا ملأها عبرة .
وسألها رجل أن تحدثه عن أمرها ، فقالت: أصبحنا ذا صباح ، وما في العرب أحد إلا يرجونا ، ثم أمسينا وما في العرب أحد إلايرحمنا .
وبكت أختها حرقة بنت النعمان يوماً ،وهي في عزها ، فقيل لها : ما يبكيك ، لعل أحداً آذاك ؟ قالت : لا ، ولكن رأيتغضارة في أهلي ، وقلما امتلأت دار سروراً إلا امتلأت حزناً .
قال إسحاق بن طلحة : دخلت عليها يوماً، فقلت لها : كيف رأيت عبرات الملوك ؟ فقالت : ما نحن فيه اليوم خير مما كنافيه الأمس ، إنا نجد في الكتب أنه ليس من أهل بيت يعيشون في خيرة إلاسيعقبون بعدها عبرة ، وأن الدهر لم يظهر لقوم بيوم يحبونه إلا بطن لهم بيوميكرهونه ، ثم قالت :
فبينا نسوس الناس والأمرأمرنا إذا نحـن فيهم سوقة نتنصف
فـــأف لدنيـــا لا يـدومنـعـيـمهـا تقلب تـارات بنـــاوتصـــرف
ومن علاجها أن يعلم أن الجزع لا يردها، بل يضاعفها ، وهو في الحقيقة من تزايد المرض .
ومن علاجها أن يعلم أن فوت ثواب الصبروالتسليم ، وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر ، والإسترجاعأعظم من المصيبة في الحقيقة .
ومن علاجها أن يعلم أن الجزع يشمتعدوه ، ويسوء صديقه ، ويغضب ربه ، ويسر شيطانه ، ويحبط أجره ، ويضعف نفسه ، وإذاصبر واحتسب أنضى شيطانه ، ورده خاسئاً ، وأرضى ربه ، وسر صديقه ، وساء عدوه ، وحملعن إخوانه ، وعزاهم هو قبل أن يعزوه ، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم ، لا لطمالخدود ، وشق الجيوب ، والدعاء بالويل والثبور ، والسخط على المقدور .
ومن علاجها : أن يعلم أن ما يعقبهالصبر والإحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقيعليه ، ويكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه ، فلينظر: أي المصيبتين أعظم ؟ : مصيبة العاجلة ، أو مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد .وفي الترمذي مرفوعاً : " يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريضفي الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء " .
وقال بعض السلف : لو لا مصائب الدنيالوردنا القيام مفاليس .
ومن علاجها : أن يروح قلبه بروح رجاءالخلف من الله ، فإنه من كل شئ عوض إلا الله ، فما منه عوض كما قيل :
من كل شئ إذا ضيعتهعوض وما من الله إن ضيعته عوض
ومن علاجها : أن يعلم أن حظه منالمصيبة ما تحدثه له ، فمن رضي ، فله الرضى ، ومن سخط ، فله السخط ، فحظك منها ماأحدثته لك ، فاختر خير الحظوظ أو شرها ، فإن أحدثت له سخطاً وكفراً ، كتب في ديوانالهالكين ، وإن أحدثت له جزعاً وتفريطاً في ترك واجب ، أو فعل محرم ، كتب في ديوانالمفرطين ، وإن أحدثت له شكاية ، وعدم صبر ، كتب في ديوان المغبونين ، وإن أحدثت لهاعتراضاً على الله ، وقدحاً في حكمته ، فقد قرع باب الزندقة أو ولجه ، وإن أحدثتله صبراً وثباتاً لله ، كتب في ديوان الصابرين ، وإن أحدثت له الرضى عن الله ، كتبفي ديوان الراضين ، وإن أحدثت له الحمد والشكر ، كتب في ديوان الشاكرين ، وكان تحتلواء الحمد مع الحمادين ، وإن أحدثت له محبة واشتياقاً إلى لقاء ربه ، كتب فيديوان المحبين المخلصين .
وفي مسند الإمام أحمد والترمذي ، من حديث محمود بن لبيد يرفعه : " إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ،فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط " . زاد أحمد : " ومن جزع فلهالجزع " .
ومن علاجها : أن يعلم أنه وإن بلغ فيالجزع غايته ، فآخر أمره إلى صبر الإضطرار ، وهو غير محمود ولا مثاب ، قال بعضالحكماء : العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام ، ومن لميصبر صبر الكرام ، سلا سلو البهائم . وفي الصحيح مرفوعاً: " الصبر عند الصدمة الأولى " . وقال الأشعث بن قيس : إنك إن صبرتإيماناً واحتساباً ، وإلا سلوت سلو البهائم .
ومن علاجها : أن يعلم أن أنفع الأدويةله موافقة ربه وإلهه فيما أحبه ورضيه له ، وأن خاصية المحبة وسرها موافقة المحبوب، فمن ادعى محبة محبوب ، ثم سخط ما يحبه ، وأحب ما يسخطه ، فقد شهد على نفسه بكذبه، وتمقت إلى محبوبه .
وقال أبو الدرداء : أن الله إذا قضىقضاء ، أحب أن يرضى به ، وكان عمران بن حصين يقول في علته : أحبه إلي أحبه إليه ،وكذلك قال أبو العالية .
وهذا دواء وعلاج لا يعمل إلا معالمحبين ، ولا يمكن كل أحد أن يتعالج به .
ومن علاجها : أن يوازن بين أعظماللذتين والمتعتين ، وأدومهما : لذة تمتعه بما أصيب به ، ولذة تمتعه بثواب الله له، فإن ظهر له الرجحان ، فآثر الراجح ، فليحمد الله على توفيقه ، وإن آثر المرجوحمن كل وجه ، فليعلم أن مصيبته في عقله وقلبه ودينه أعظم من مصيبته التي أصيب بهافي دنياه .
ومن علاجها أن يعلم أن الذي ابتلاهبها أحكم الحاكمين ، وأرحم الراحمين ، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به، ولا ليعذبه به ، ولا ليجتاحه ، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه ،وليسمع تضرعه وابتهاله ، وليراه طريحاً ببابه ، لائذاً بجنابه ، مكسور القلب بينيديه ، رافعاً قصص الشكوى إليه .
قال الشيخ عبد القادر : يا بني ! إنالمصيبة ما جاءت لتهلكك ، وإنما جاءت لتمتحن صبرك وإيمانك ، يا بني ! القدر سبع ،والسبع لا يأكل الميتة .
والمقصود : أن المصيبة كير العبد الذييسبك به حاصله ، فإما أن يخرج ذهباً أحمر ، وإما أن يخرج خبثاً كله ، كما قيل :
سبكناه ونحسبهلجيناً فأبدى الكير عن خبث الحديد
فإن لم ينفعه هذا الكير في الدنيا ،فبين يديه الكير الأعظم ، فإذا علم العبد أن إدخاله كير الدنيا ومسبكها خير له منذلك الكير والمسبك ، وأنه لا بد من أحد الكيرين ، فليعلم قدر نعمة الله عليه فيالكير العاجل .
ومن علاجها : أن يعلم أنه لو لا محنالدنيا ومصائبها ، لأصاب العبد - من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب - ماهو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً ، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواعمن أدوية المصائب ، تكون حمية له من هذه الأدواء ، وحفظاً لصحة عبوديته ،واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه ، فسبحان من يرحم ببلائه ، ويبتليبنعمائه كما قيل :
قد ينعم بالبلوى وإنعظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
فلو لا أنه - سبحانه - يداوي عبادهبأدوية المحن والإبتلاء ، لطغوا ، وبغوا ، وعتوا ، والله - سبحانه - إذا أراد بعبدخيراً سقاه دواء من الإبتلاء والإمتحان على قدر حاله يستفرغ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه ، أهله لأشرف مراتب الدنيا ، وهي عبوديته ، وأرفع ثوابالآخرة ، وهو رؤيته وقربه .
ومن علاجها : أن يعلم أن مرارة الدنياهي بعينها حلاوة الآخرة ، يقلبها الله سبحانه كذلك ، وحلاوة الدنيا بعينها مرارةالآخرة ، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك ، فإن خفيعليك هذا ، فانظر إلى قول الصادق المصدوق : " حفت الجنة بالمكاره وحفتالنار بالشهوات " .
وفي هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق ،وظهرت حقائق الرجال ، فأكثرهم آثر الحلاوة المنقطعة على الحلاوة الدائمة التي لاتزول ، ولم يحتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد ، ولا ذل ساعة لعز الأبد ، ولا محنةساعة لعافية الأبد ، فإن الحاضر عنده شهادة ، والمنتظر غيب ، والإيمان ضعيف ،وسلطان الشهوة حاكم ، فتولد من ذلك إيثار العاجلة ، ورفض الآخرة ، وهذا حال النظرالواقع على ظواهر الأمور ، وأوائلها ومبادئها ، وأما النظر الثاقب الذي يخرق حجبالعاجلة ، ويجاوزه إلى العواقب والغايات ، فله شأن آخر .
فادع نفسك إلى ما أعد الله لأوليائهوأهل طاعته من النعيم المقيم ، والسعادة الأبدية ، والفوز الأكبر ، وما أعد لأهلالبطالة والإضاعة من الخزي والعقاب والحسرات الدائمة ، ثم اختر أي القسمين أليق بك، وكل يعمل على شاكلته ، وكل أحد يصبو إلى ما يناسبه ، وما هو الأولى به ، ولاتستطل هذا العلاج ، فشدة الحاجة إليه من الطبيب والعليل دعت إلى بسطه ، وباللهالتوفيق .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاجالكرب والهم والغم والحزن
أخرجا في الصحيحين منحديث ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب : " لاإله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا اللهرب السماوات السبع ، ورب الأرض رب العرش الكريم " .
وفي جامع الترمذي عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إذا حزبه أمر ، قال : " يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث " .
وفيه : عن أبي هريرة ، أن النبي صلىالله عليه وسلم ، كان إذا أهمه الأمر ، رفع طرفه إلى السماء فقال : " سبحانالله العظيم " ، وإذا اجتهد في الدعاء قال : " يا حي يا قيوم " .
وفي سنن أبي داود عن أبيبكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " دعوات المكروب : اللهم رحمتكأرجو ، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله ، لا إله إلا أنت " .
وفيها أيضاً عن أسماء بنت عميس قالت :قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب، أو في الكرب : الله ربى لا أشرك به شيئاً " . وفي رواية أنها تقال سبع مرات .
وفي مسند الإمام أحمد عنابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أصاب عبداً هم ولا حزنفقال : اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل فيقضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداًمن خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك : أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ،ونور صدري وجلاء حزني ، وذهاب همي ، إلا أذهب الله حزنه وهمه ، وأبدله مكانه فرحاً " .
وفي الترمذي عن سعد بن أبي وقاص ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوة ذي النون إذ دعا ربه وهو في بطنالحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لم يدع بها رجل مسلم في شئقط إلا استجيب له " .
وفي رواية " إني لأعلم كلمة لايقولها مكروب إلا فرج الله عنه : كلمة أخي يونس " .
وفي سنن أبي داود عن أبيسعيد الخدري ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد ، فإذا هوبرجل من الأنصار يقال له : أبو أمامة ، فقال : " يا أبا أمامة مالي أراك فيالمسجد في غير وقت الصلاة ؟ فقال : هموم لزمتني ، وديون يا رسول الله ، فقال: ألا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى دينك ؟ قال : قلت : بلى يا رسول الله ، قال : قل إذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إنيأعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من الجبن والبخل ،وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال " ، قال : ففعلت ذلك ، فأذهب الله عز وجلهمى ، وقضى عني ديني .
وفي سنن أبي داود عن ابنعباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لزم الإستغفار ، جعلالله له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب " .
وفي المسند أن النبي صلىالله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر ، فزع إلى الصلاة ، وقد قال تعالى : "واستعينوا بالصبر والصلاة " [ البقرة : 45 ] .
وفي السنن : "عليكمبالجهاد ، فإنه باب من أبواب الجنة ، يدفع الله به عن النفوس الهم والغم " .
ويذكر عن ابن عباس ، عن النبي صلىالله علي وسلم : " من كثرت همومه وغمومه ، فليكثر من قول : لا حول ولا قوةإلا بالله ".
وثبت في الصحيحين "أنها كنز من كنوز الجنة" .
وفي الترمذي : " أنها باب منأبواب الجنة " .
هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعاً منالدواء ، فإن لم تقو على إذهاب داء الهم والغم والحزن ، فهو داء قد استحكم ،وتمكنت أسبابه ، ويحتاج إلى استفراغ كلي .
الأول : توحيد الربوبية .
الثاني : توحيد الإلهية .
الثالث : التوحيد العلمى الإعتقادي .
الرابع : تنزيه الرب تعالى عن أن يظلمعبده ، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك .
الخامس : اعتراف العبد بأنه هو الظالم .
السادس : التوسل إلى الرب تعالى بأحبالأشياء ، وهو أسماؤه وصفاته ، ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات : الحي القيوم .
السابع : الإستعانة به وحده .
الثامن : إقرار العبد له بالرجاء .
التاسع : تحقيق التوكل عليه ،والتفويض إليه ، والإعتراف له بأن ناصيته في يده ، يصرفه كيف يشاء ، وأنه ماض فيهحكمه ، عدل فيه قضاؤه .
العاشر : أن يرتع قلبه في رياض القرآن، ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان ، وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات واللهوات ، وأنيتسلى به عن كل فائت ، ويتعزى به عن كل مصيبة ، ويستشفي به من أدواء صدره ، فيكونجلاء حزنه ، وشفاء همه وغمه .
في هديه صلى الله عليه وسلم في رقيةالقرحة والجرح
أخرجا في الصحيحين عنعائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحةأو جرح ، قال بأصبعه : هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ، ثم رفعها ، وقال : "بسم الله ، تربة أرضنا بريقة بعضنا ، يشفى سقيمنا بإذن ربنا " .
هذا من العلاج الميسر النافع المركب ،وهي معالجة لطيفة يعالج بها القروح والجراحات الطرية ، لا سيما عند عدم غيرها منالأدوية إذ كانت موجودة بكل أرض ، وقد علم أن طبيعة التراب الخالص بادرة يابسةمجففة لرطوبات القروح والجراحات التي تمنع الطبيعة من جودة فعلها ، وسرعة اندمالها، لا سيما في البلاد الحارة ، وأصحاب الأمزجة الحارة ، فإن القروح والجراحاتيتبعها في أكثر الأمر سوء مزاج حار ، فيجتمع حرارة البلد والمزاج والجراح ، وطبيعةالتراب الخالص باردة يابسة أشد من برودة جميع الأدوية المفردة الباردة ، فتقابلبرودة التراب حرارة المرض ، لا سيما إن كان التراب قد غسل وجفف ، ويتبعها أيضاًكثرة الرطوبات الرديئة ، والسيلان ، والتراب مجفف لها ، مزيل لشدة يبسه وتجفيفهللرطوبة الرديئة المانعة من برئها ، ويحصل به - مع ذلك - تعديل مزاج العضو العليل، ومتى اعتدل مزاج العضو قويت قواه المدبرة ، ودفعت عنه الألم بإذن الله .
ومعنى الحديث : أنه يأخذ من ريق نفسهعلى أصبعه السبابة ، ثم يضعها على التراب ، فيعلق بها منه شئ ، فيمسح به على الجرح، ويقول هذا الكلام لما فيه من بركة ذكر اسم الله ، وتفويض الأمر إليه ، والتوكلعليه ، فينضم أحد العلاجين إلى الآخر ، فيقوى التأثير .
وهل المراد بقوله : تربةأرضنا جميع الأرض أو أرض المدينة خاصة ؟ فيه قولان ، ولا ريب أن من التربةما تكون فيه خاصية ينفع بخاصيته من أدواء كثيرة ، ويشفي به أسقاماً رديئة . قالجالينوس : رأيت بالإسكندرية مطحولين ، ومستسقين ، كثيراً يستعملون طين مصر ،ويطلون به على سوقهم ، وأفخاذهم ، وسواعدهم ، وظهورهم ، وأضلاعهم ، فينتفعون بهمنفعة بينة . قال : وعلى هذا النحو فقد ينفع هذا الطلاء للأورام العفنة والمترهلةالرخوة ، قال : وإني لأعرف قوماً ترهلت أبدانهم كلها من كثرة استفراغ الدم من أسفل، انتفعوا بهذا الطين نفعاً بيناً ، وقوماً آخرين شفوا به أوجاعاً مزمنة كانتمتمكنة في بعض الأعضاء تمكناً شديداً ، فبرأت وذهبت أصلاً . وقال صاحب الكتابالمسيحي : قوة الطين المجلوب من كنوس - وهي جزيرة المصطكى - قوة تجلو وتغسل ،وتنبت اللحم في القروح ، وتختم القروح . انتهى .
وإذا كان هذا في هذه التربات ، فماالظن بأطيب تربة على وجه الأرض وأبركها ، وقد خالطت ريق رسول الله صلى الله عليهوسلم ، وقارنت رقيته باسم ربه ، وتفويض الأمر إليه ، وقد تقدم أن قوى الرقيةوتأثيرها بحسب الراقي ، وانفعال المرقي عن رقيته ، وهذا أمر لا ينكره طبيب فاضلعاقل مسلم ، فإن انتفى أحد الأوصاف ، فليقل ما شاء .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاجالوجع بالرقية
روى مسلم في صحيحه عنعثمان بن أبي العاص ، أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده فيجسده منذ أسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ضع يدك على الذي تألم منجسدك وقل : بسم الله ثلاثاً ، وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجدوأحاذر " ففي هذا العلاج من ذكر الله ، والتفويض إليه ، والإستعاذة بعزتهوقدرته من شر الألم ما يذهب به ، وتكراره ليكون أنجع وأبلغ ، كتكرار الدواء لأخراجالمادة ، وفي السبع خاصية لا توجد في غيرها ، وفي الصحيحين : أن النبيصلى الله عليه وسلم ، كان يعوذ بعض أهله ، يمسح بيده اليمنى ، ويقول : "اللهم رب الناس ، أذهب الباس ، واشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لايغادر سقماً " . ففي هذه الرقية توسل إلى الله بكمال ربوبيته ، وكمال رحمتهبالشفاء ، وأنه وحده الشافى ، وأنه لا شفاء إلا شفاؤه ، فتضمنت التوسل إليهبتوحيده وإحسانه وربوبيته .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاجحر المصيبة وحزنها
قال تعالى : " وبشر الصابرين *الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات منربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " [ البقرة : 155 ] . وفي المسند عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من أحد تصيبه مصيبة فيقول : إنالله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ، إلا أجارهالله في مصيبته ، وأخلف له خيراً منها " .
وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب ،وأنفعه له في عاجلته وآجلته ، فإنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتهماتسلى عن مصيبته .
أحدهما : أن العبد وأهله وماله ملكلله عز وجل حقيقة ، وقد جعله عند العبد عارية ، فإذا أخذه منه ، فهو كالمعير يأخذمتاعه من المستعير ، وأيضاً فإنه محفوف بعدمين : عدم قبله ، وعدم بعده ، وملكالعبد له متعة معارة في زمن يسير ، وأيضاً فإنه ليس الذي أوجده عن عدمه ، حتى يكونملكه حقيقة ، ولا هو الذي يحفظه من الآفات بعد وجوده ، ولا يبقي عليه وجوده ، فليسله فيه تأثير ، ولا ملك حقيقي ، وأيضاً فإنه متصرف فيه بالأمر تصرف العبد المأمور المنهي، لا تصرف الملاك ، ولهذا لا يباح له من التصرفات فيه إلا ما وافق أمر مالكهالحقيقي .
والثاني : أن مصير العبد ومرجعه إلىالله مولاه الحق ، ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره ، ويجيء ربه فرداً كما خلقهأول مرة بلا أهل ولا مال ولا عشيرة ، ولكن بالحسنات والسيئات ، فإذا كانت هذهبداية العبد وما خوله ونهايته ، فكيف يفرح بموجود ، أو يأسى على مفقود ، ففكره فيمبدئه ومعاده من أعظم علاج هذا الداء ، ومن علاجه أن يعلم علم اليقين أن ما أصابهلم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه . قال تعالى : " ما أصاب من مصيبةفي الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور " [الحديد : 22 ] .
ومن علاجه أن ينظر إلى ما أصيب به ،فيجد ربه قد أبقى عليه مثله ، أو أفضل منه ، وادخر له - إن صبر ورضي - ما هو أعظممن فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي .
ومن علاجه أن يطفئ نار مصيبته ببردالتأسي بأهل المصائب ، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد ، ولينظر يمنة ، فهل يرى إلامحنة ؟ ثم ليعطف يسرة ، فهل يرى إلا حسرة ؟ ، وأنه لو فتش العالم لم ير فيهم إلامبتلى ، إما بفوات محبوب ، أو حصول مكروه ، وأن شرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً ، أبكت كثيراً ، وإن سرت يوماً ، ساءت دهراً ، وإن متعت قليلاً، منعت طويلاً ، وما ملأت داراً خيرة إلا ملأتها عبرة ، ولا سرته بيوم سرور إلاخبأت له يوم شرور ، قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : لكل فرحة ترحة ، وما ملئ بيتفرحاً إلا ملئ ترحاً . وقال ابن سيرين : ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء .
وقالت هند بنت النعمان : لقد رأيتناونحن من أعز الناس وأشدهم ملكاً ، ثم لم تغب الشمس حتى رأيتنا ونحن أقل الناس ،وأنه حق على الله ألا يملأ داراً خيرة إلا ملأها عبرة .
وسألها رجل أن تحدثه عن أمرها ، فقالت: أصبحنا ذا صباح ، وما في العرب أحد إلا يرجونا ، ثم أمسينا وما في العرب أحد إلايرحمنا .
وبكت أختها حرقة بنت النعمان يوماً ،وهي في عزها ، فقيل لها : ما يبكيك ، لعل أحداً آذاك ؟ قالت : لا ، ولكن رأيتغضارة في أهلي ، وقلما امتلأت دار سروراً إلا امتلأت حزناً .
قال إسحاق بن طلحة : دخلت عليها يوماً، فقلت لها : كيف رأيت عبرات الملوك ؟ فقالت : ما نحن فيه اليوم خير مما كنافيه الأمس ، إنا نجد في الكتب أنه ليس من أهل بيت يعيشون في خيرة إلاسيعقبون بعدها عبرة ، وأن الدهر لم يظهر لقوم بيوم يحبونه إلا بطن لهم بيوميكرهونه ، ثم قالت :
فبينا نسوس الناس والأمرأمرنا إذا نحـن فيهم سوقة نتنصف
فـــأف لدنيـــا لا يـدومنـعـيـمهـا تقلب تـارات بنـــاوتصـــرف
ومن علاجها أن يعلم أن الجزع لا يردها، بل يضاعفها ، وهو في الحقيقة من تزايد المرض .
ومن علاجها أن يعلم أن فوت ثواب الصبروالتسليم ، وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر ، والإسترجاعأعظم من المصيبة في الحقيقة .
ومن علاجها أن يعلم أن الجزع يشمتعدوه ، ويسوء صديقه ، ويغضب ربه ، ويسر شيطانه ، ويحبط أجره ، ويضعف نفسه ، وإذاصبر واحتسب أنضى شيطانه ، ورده خاسئاً ، وأرضى ربه ، وسر صديقه ، وساء عدوه ، وحملعن إخوانه ، وعزاهم هو قبل أن يعزوه ، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم ، لا لطمالخدود ، وشق الجيوب ، والدعاء بالويل والثبور ، والسخط على المقدور .
ومن علاجها : أن يعلم أن ما يعقبهالصبر والإحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقيعليه ، ويكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه ، فلينظر: أي المصيبتين أعظم ؟ : مصيبة العاجلة ، أو مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد .وفي الترمذي مرفوعاً : " يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريضفي الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء " .
وقال بعض السلف : لو لا مصائب الدنيالوردنا القيام مفاليس .
ومن علاجها : أن يروح قلبه بروح رجاءالخلف من الله ، فإنه من كل شئ عوض إلا الله ، فما منه عوض كما قيل :
من كل شئ إذا ضيعتهعوض وما من الله إن ضيعته عوض
ومن علاجها : أن يعلم أن حظه منالمصيبة ما تحدثه له ، فمن رضي ، فله الرضى ، ومن سخط ، فله السخط ، فحظك منها ماأحدثته لك ، فاختر خير الحظوظ أو شرها ، فإن أحدثت له سخطاً وكفراً ، كتب في ديوانالهالكين ، وإن أحدثت له جزعاً وتفريطاً في ترك واجب ، أو فعل محرم ، كتب في ديوانالمفرطين ، وإن أحدثت له شكاية ، وعدم صبر ، كتب في ديوان المغبونين ، وإن أحدثت لهاعتراضاً على الله ، وقدحاً في حكمته ، فقد قرع باب الزندقة أو ولجه ، وإن أحدثتله صبراً وثباتاً لله ، كتب في ديوان الصابرين ، وإن أحدثت له الرضى عن الله ، كتبفي ديوان الراضين ، وإن أحدثت له الحمد والشكر ، كتب في ديوان الشاكرين ، وكان تحتلواء الحمد مع الحمادين ، وإن أحدثت له محبة واشتياقاً إلى لقاء ربه ، كتب فيديوان المحبين المخلصين .
وفي مسند الإمام أحمد والترمذي ، من حديث محمود بن لبيد يرفعه : " إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ،فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط " . زاد أحمد : " ومن جزع فلهالجزع " .
ومن علاجها : أن يعلم أنه وإن بلغ فيالجزع غايته ، فآخر أمره إلى صبر الإضطرار ، وهو غير محمود ولا مثاب ، قال بعضالحكماء : العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام ، ومن لميصبر صبر الكرام ، سلا سلو البهائم . وفي الصحيح مرفوعاً: " الصبر عند الصدمة الأولى " . وقال الأشعث بن قيس : إنك إن صبرتإيماناً واحتساباً ، وإلا سلوت سلو البهائم .
ومن علاجها : أن يعلم أن أنفع الأدويةله موافقة ربه وإلهه فيما أحبه ورضيه له ، وأن خاصية المحبة وسرها موافقة المحبوب، فمن ادعى محبة محبوب ، ثم سخط ما يحبه ، وأحب ما يسخطه ، فقد شهد على نفسه بكذبه، وتمقت إلى محبوبه .
وقال أبو الدرداء : أن الله إذا قضىقضاء ، أحب أن يرضى به ، وكان عمران بن حصين يقول في علته : أحبه إلي أحبه إليه ،وكذلك قال أبو العالية .
وهذا دواء وعلاج لا يعمل إلا معالمحبين ، ولا يمكن كل أحد أن يتعالج به .
ومن علاجها : أن يوازن بين أعظماللذتين والمتعتين ، وأدومهما : لذة تمتعه بما أصيب به ، ولذة تمتعه بثواب الله له، فإن ظهر له الرجحان ، فآثر الراجح ، فليحمد الله على توفيقه ، وإن آثر المرجوحمن كل وجه ، فليعلم أن مصيبته في عقله وقلبه ودينه أعظم من مصيبته التي أصيب بهافي دنياه .
ومن علاجها أن يعلم أن الذي ابتلاهبها أحكم الحاكمين ، وأرحم الراحمين ، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به، ولا ليعذبه به ، ولا ليجتاحه ، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه ،وليسمع تضرعه وابتهاله ، وليراه طريحاً ببابه ، لائذاً بجنابه ، مكسور القلب بينيديه ، رافعاً قصص الشكوى إليه .
قال الشيخ عبد القادر : يا بني ! إنالمصيبة ما جاءت لتهلكك ، وإنما جاءت لتمتحن صبرك وإيمانك ، يا بني ! القدر سبع ،والسبع لا يأكل الميتة .
والمقصود : أن المصيبة كير العبد الذييسبك به حاصله ، فإما أن يخرج ذهباً أحمر ، وإما أن يخرج خبثاً كله ، كما قيل :
سبكناه ونحسبهلجيناً فأبدى الكير عن خبث الحديد
فإن لم ينفعه هذا الكير في الدنيا ،فبين يديه الكير الأعظم ، فإذا علم العبد أن إدخاله كير الدنيا ومسبكها خير له منذلك الكير والمسبك ، وأنه لا بد من أحد الكيرين ، فليعلم قدر نعمة الله عليه فيالكير العاجل .
ومن علاجها : أن يعلم أنه لو لا محنالدنيا ومصائبها ، لأصاب العبد - من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب - ماهو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً ، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواعمن أدوية المصائب ، تكون حمية له من هذه الأدواء ، وحفظاً لصحة عبوديته ،واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه ، فسبحان من يرحم ببلائه ، ويبتليبنعمائه كما قيل :
قد ينعم بالبلوى وإنعظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
فلو لا أنه - سبحانه - يداوي عبادهبأدوية المحن والإبتلاء ، لطغوا ، وبغوا ، وعتوا ، والله - سبحانه - إذا أراد بعبدخيراً سقاه دواء من الإبتلاء والإمتحان على قدر حاله يستفرغ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه ، أهله لأشرف مراتب الدنيا ، وهي عبوديته ، وأرفع ثوابالآخرة ، وهو رؤيته وقربه .
ومن علاجها : أن يعلم أن مرارة الدنياهي بعينها حلاوة الآخرة ، يقلبها الله سبحانه كذلك ، وحلاوة الدنيا بعينها مرارةالآخرة ، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك ، فإن خفيعليك هذا ، فانظر إلى قول الصادق المصدوق : " حفت الجنة بالمكاره وحفتالنار بالشهوات " .
وفي هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق ،وظهرت حقائق الرجال ، فأكثرهم آثر الحلاوة المنقطعة على الحلاوة الدائمة التي لاتزول ، ولم يحتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد ، ولا ذل ساعة لعز الأبد ، ولا محنةساعة لعافية الأبد ، فإن الحاضر عنده شهادة ، والمنتظر غيب ، والإيمان ضعيف ،وسلطان الشهوة حاكم ، فتولد من ذلك إيثار العاجلة ، ورفض الآخرة ، وهذا حال النظرالواقع على ظواهر الأمور ، وأوائلها ومبادئها ، وأما النظر الثاقب الذي يخرق حجبالعاجلة ، ويجاوزه إلى العواقب والغايات ، فله شأن آخر .
فادع نفسك إلى ما أعد الله لأوليائهوأهل طاعته من النعيم المقيم ، والسعادة الأبدية ، والفوز الأكبر ، وما أعد لأهلالبطالة والإضاعة من الخزي والعقاب والحسرات الدائمة ، ثم اختر أي القسمين أليق بك، وكل يعمل على شاكلته ، وكل أحد يصبو إلى ما يناسبه ، وما هو الأولى به ، ولاتستطل هذا العلاج ، فشدة الحاجة إليه من الطبيب والعليل دعت إلى بسطه ، وباللهالتوفيق .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاجالكرب والهم والغم والحزن
أخرجا في الصحيحين منحديث ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب : " لاإله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا اللهرب السماوات السبع ، ورب الأرض رب العرش الكريم " .
وفي جامع الترمذي عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إذا حزبه أمر ، قال : " يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث " .
وفيه : عن أبي هريرة ، أن النبي صلىالله عليه وسلم ، كان إذا أهمه الأمر ، رفع طرفه إلى السماء فقال : " سبحانالله العظيم " ، وإذا اجتهد في الدعاء قال : " يا حي يا قيوم " .
وفي سنن أبي داود عن أبيبكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " دعوات المكروب : اللهم رحمتكأرجو ، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله ، لا إله إلا أنت " .
وفيها أيضاً عن أسماء بنت عميس قالت :قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب، أو في الكرب : الله ربى لا أشرك به شيئاً " . وفي رواية أنها تقال سبع مرات .
وفي مسند الإمام أحمد عنابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أصاب عبداً هم ولا حزنفقال : اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل فيقضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداًمن خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك : أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ،ونور صدري وجلاء حزني ، وذهاب همي ، إلا أذهب الله حزنه وهمه ، وأبدله مكانه فرحاً " .
وفي الترمذي عن سعد بن أبي وقاص ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوة ذي النون إذ دعا ربه وهو في بطنالحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لم يدع بها رجل مسلم في شئقط إلا استجيب له " .
وفي رواية " إني لأعلم كلمة لايقولها مكروب إلا فرج الله عنه : كلمة أخي يونس " .
وفي سنن أبي داود عن أبيسعيد الخدري ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد ، فإذا هوبرجل من الأنصار يقال له : أبو أمامة ، فقال : " يا أبا أمامة مالي أراك فيالمسجد في غير وقت الصلاة ؟ فقال : هموم لزمتني ، وديون يا رسول الله ، فقال: ألا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى دينك ؟ قال : قلت : بلى يا رسول الله ، قال : قل إذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إنيأعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من الجبن والبخل ،وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال " ، قال : ففعلت ذلك ، فأذهب الله عز وجلهمى ، وقضى عني ديني .
وفي سنن أبي داود عن ابنعباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لزم الإستغفار ، جعلالله له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب " .
وفي المسند أن النبي صلىالله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر ، فزع إلى الصلاة ، وقد قال تعالى : "واستعينوا بالصبر والصلاة " [ البقرة : 45 ] .
وفي السنن : "عليكمبالجهاد ، فإنه باب من أبواب الجنة ، يدفع الله به عن النفوس الهم والغم " .
ويذكر عن ابن عباس ، عن النبي صلىالله علي وسلم : " من كثرت همومه وغمومه ، فليكثر من قول : لا حول ولا قوةإلا بالله ".
وثبت في الصحيحين "أنها كنز من كنوز الجنة" .
وفي الترمذي : " أنها باب منأبواب الجنة " .
هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعاً منالدواء ، فإن لم تقو على إذهاب داء الهم والغم والحزن ، فهو داء قد استحكم ،وتمكنت أسبابه ، ويحتاج إلى استفراغ كلي .
الأول : توحيد الربوبية .
الثاني : توحيد الإلهية .
الثالث : التوحيد العلمى الإعتقادي .
الرابع : تنزيه الرب تعالى عن أن يظلمعبده ، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك .
الخامس : اعتراف العبد بأنه هو الظالم .
السادس : التوسل إلى الرب تعالى بأحبالأشياء ، وهو أسماؤه وصفاته ، ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات : الحي القيوم .
السابع : الإستعانة به وحده .
الثامن : إقرار العبد له بالرجاء .
التاسع : تحقيق التوكل عليه ،والتفويض إليه ، والإعتراف له بأن ناصيته في يده ، يصرفه كيف يشاء ، وأنه ماض فيهحكمه ، عدل فيه قضاؤه .
العاشر : أن يرتع قلبه في رياض القرآن، ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان ، وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات واللهوات ، وأنيتسلى به عن كل فائت ، ويتعزى به عن كل مصيبة ، ويستشفي به من أدواء صدره ، فيكونجلاء حزنه ، وشفاء همه وغمه .
وأذا مرضت فهو يشفين :: الفئة الأولى :: العلاج بالقرأن الكريم :: علاج السحر واللبس والمس بالقرأن الكريم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين مارس 16, 2015 7:49 pm من طرف خالد براهمه
» علاج السرطان بالأعشاب خلال اربعة اسابيع
الإثنين مارس 16, 2015 7:35 pm من طرف خالد براهمه
» الفستق مقوى جنسي نسبة 51%
الخميس نوفمبر 28, 2013 7:37 pm من طرف خالد براهمه
» اسماء الأعشاب
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:35 am من طرف حسين العنوز
» آيات الشفاء في القرآن
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:30 am من طرف حسين العنوز
» اضطرابات الغدة الدرقية وعلاجها
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:29 am من طرف حسين العنوز
» رقية للعقـم والإســـقاط
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:28 am من طرف حسين العنوز
» مرضى السكري
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:27 am من طرف حسين العنوز
» اظفـــــــار،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:27 am من طرف حسين العنوز