بحـث
المواضيع الأخيرة
مايو 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | ||
6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 |
13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 |
20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 |
27 | 28 | 29 | 30 | 31 |
دخول
الطــــــــب النبـــوي الجزء الثاني 4
وأذا مرضت فهو يشفين :: الفئة الأولى :: العلاج بالقرأن الكريم :: علاج السحر واللبس والمس بالقرأن الكريم
صفحة 1 من اصل 1
الطــــــــب النبـــوي الجزء الثاني 4
فصل
ولما كانت الأخلاط فى البلاد الحارة ، والأزمنة الحارة ترقوتنجذب إلى فوق ، كان القئ فيها أنفع . ولما كانت في الأزمنة الباردة والبلادالباردة تغلظ ، ويصعب جذبها إلى فوق ، كان استفراغها ، بالإسهال أنفع .
وإزالة الأخلاط ودفعها تكون بالجذب والإستفراغ ، والجذب يكونمن أبعد الطرق ، والإستفراغ من أقربها ، والفرق بينهما أن المادة إذا كانت عاملةفي الإنصباب أو الترقي لم تستقر بعد ، فهي محتاجة إلى الجذب ، فإن كانت متصاعدةجذبت من أسفل ، وإن كانت منصبة جذبت من فوق ، وأما إذا اسقرت في موضعها ، استفرغتمن أقرب الطرق إليها ، فمتى أضرت المادة بالأعضاء العليا ، اجتذبت من أسفل ، ومتىأضرت بالأعضاء السفلى ، اجتذبت من فوق ، ومتى استقرت ، استفرغت من أقرب مكان إليها، ولهذا احتج النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله تارة ، وفي رأسه أخرى ، وعلى ظهرقدمه تارة ، فكان يستفرغ مادة الدم المؤذي من أقرب مكان إليه . والله أعلم .
فصل
والقئ ينقي المعدة ويقويها ، ويحد البصر ، ويزيل ثقل الرأس ،وينفع قروح الكلى ، والمثانة ، والامراض المزمنة كالجذام والإستسقاء ، والفالجوالرعشة ، وينفع اليرقان .
ويبنغي أن يستعمله الصحيح في الشهر مرتين متواليتين من غير حفظدور ، ليتدارك الثاني ما قصر عنه الأول ، وينقي الفضلات التي انصبت بسببه ،والإكثار منه يضر المعدة ، ويجعلها قابلة للفضول ، ويضر بالأسنان والبصر والسمع ،وربما صدع عرقاً ، ويجب أن يجتنبه من به ورم في الحلق ، أو ضعف في الصدر ، أو دقيقالرقبة ، أو مستعد لنفث الدم ، أو عسر الإجابة له .
وأما ما يفعله كثير ممن يسيء التدبير ، وهو أن يمتلئ من الطعام، ثم يقذفه ، ففيه آفات عديدة ، منها : أنه يعجل الهرم ، ويوقع في أمراض رديئة ،ويجعل القئ له عادة . والقئ مع اليبوسة ، وضف الأحشاء ، وهزال المراق . أو ضعفالمستقيء خطر . . .
وأحمد أوقاته الصيف والربيع دون الشتاء والخريف ، وينبغي عندالقئ أن يعصب العينين ، ويقمط البطن ، ويغسل الوجه بماء بارد عند الفراغ ، وانيشرب عقيبه شراب التفاح مع يسير من مصطكى ، وماء الورد ينفعه نفعاً بيناً .
والقئ يستفرغ من أعلى المعدة ، ويجذب من أسفل ، والإسهالبالعكس ، قال أبقراط : وينبغي أن يكون الإستفراغ في الصيف من فوق أكثر منالإستفراغ بالدواء ، وفي الشتاء من أسفل .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم فيالإرشاد إلى معالجة أحذق الطبيبين
ذكر مالك في موطئه : عن زيد بن أسلم ، أن رجلاً فيزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه جرح ، فاحتقن الجرح الدم، وأن الرجل دعارجلين من بني أنمار ، فنظرا إليه فزعما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما: " أيكما أطب ؟ فقال : أوفي الطب خير يا رسول الله ؟ فقال : أنزل الدواء الذي أنزل الداء " .
ففي هذا الحديث أنه ينبغي الإستعانة في كل علم وصناعة بأحذق منفيها فالأحذق ، فإنه إلى الإصابة أقرب .
وهكذا يجب على المستفتي أن يستعين على ما نزل به بالأعلمفالأعلم ، لأنه أقرب إصابة ممن هو دونه .
وكذلك من خفيت عليه القبلة ، فإنه يقلد أعلم من يجده ، وعلىهذا فطر الله عباده ، كما أن المسافر في البر والبحر إنما سكون نفسه ، وطمأنينتهإلى أحذق الدليلين وأخبرهما ، وله يقصد ، وعليه يعتمد ، فقد اتفقت على هذا الشريعةوالفطرة والفعل .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " أنزل الدواء الذي أنزلالداء " ، قد جاء مثله عنه في أحاديث كثيرة ، فمنها ما رواه عمرو بن دينار ،عن هلال بن يساف ، قال : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مريض يعوده، فقال : أرسلوا إلى طبيب ، فقال قائل : وأنت تقول ذلك يا رسول الله ؟قال : نعم إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له دواء " .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة يرفعه : " ماأنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء " ، وقد تقدم هذا الحديث وغيره .
واختلف في معنى أنزل الداء والدواء ، فقالت طائفة: إنزاله إعلام العباد به ، وليس بشئ ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بعمومالإنزال لكل داء ودوائه ، وأكثر الخلق لا يعملون ذلك ، ولهذا قال : " علمه منعلمه ، وجهله من جهله " .
وقالت طائفة : إنزالهما : خلقهما ووضعهما في الأرض ، كما فيالحديث الآخر : " إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء " ، وهذا وإن كانأقرب في الذي قبله ، فلفظة الإنزال أخص من لفظة الخلق والوضع ، فلا ينبغي إسقاطخصوصية اللفظة بلا موجب .
وقالت طائفة : إنزالهما بواسطة الملائكة الموكلين بمباشرةالخلق من داء ودواء وغير ذلك ، فإن الملائكة موكلة بأمر هذا العالم ، وأمر النوعالإنساني من حين سقوطه في رحم أمه إلى حين موته ، فإنزال الداء والدواء معالملائكة ، وهذا أقرب من الوجهين قبله .
وقالت طائفة : إن عامة الأدواء والأدوية هي بواسطة إنزال الغيثمن السماء الذي تتولد به الأغذية ، والأقوات ، والأدوية ، والأدواء ، وآلاتذلك كله ، وأسبابه ومكملاته ، وما كان منها من المعادن العلوية ، فهي تنزل منالجبال ، وما كان منها من الأودية والأنهار والثمار ، فداخل في اللفظ على طريقالتغليب والإكتفاء عن الفعلين بفعل واحد يتضمنهما ، وهو معروف من لغة العرب ، بلوغيرها من الأمم ، كقول الشاعر :
علفتها تبنا وماءبارداً حتى غدت همالة عيناها
وقول الآخر :
ورأيت زوجك قــدغدا متقلـــداً سيفـــاًورمحـــاً
وقول الآخر :
إذا ما الغانيات برزنيوماً وزججن الحواجب والعيونا
وهذا أحسن مما قبله من الوجوه والله أعلم .
وهذا من تمام حكمة الرب عز وجل ، وتمام ربوبيته ، فإنه كماابتلى عباده بالأدواء ، أعانهم عليها بما يسره لهم من الأدوية ، وكما ابتلاهمبالذنوب أعانهم عليها بالتوبة ، والحسنات الماحية والمصائب المكفرة ، وكما ابتلاهمبالأرواح الخبيثة من الشياطين ، أعانهم عليها بجند من الأرواح الطيبة ، وهمالملائكة . وكما ابتلاهم بالشهوات أعانهم على قضائها بما يسره لهم شرعاً وقدراً منالمشتهيات اللذيذة النافعة ، فما ابتلاكم سبحانه بشئ إلا أعطاهم ما يستعينون بهعلى ذلك البلاء ، ويدفعونه به ، ويبقى التفاوت بينهم في العلم بذلك ، والعلم بطريقحصوله والتوصل إليه ، وبالله المستعان .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في تضمينمن طب الناس ، وهو جاهل بالطب
روى أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث عمرو بن شعيب ،عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تطبب ولميعلم منه الطب قبل ذلك ، فهو ضامن " .
هذا الحديث يتعلق به ثلاثة أمور : أمر لغوي ، وأمر فقهي ، وأمرطبي .
فأما اللغوي : فالطب بكسر الطاء في لغة العرب ، يقال : علىمعان . منها الإصلاح ، يقال : طببته : إذا أصلحته . ويقال : له طب بالأمور . أي :لطف وسياسة . قال الشاعر :
وإذا تغير من تميمأمرها كنت الطبيب لها برأي ثاقب
ومنها : الحذق . قال الجوهري : كل حاذق طبيب عند العرب ، قالأبو عبيد : أصل الطب : الحذق بالأشياء والمهارة بها . يقال للرجل : طب وطبيب : إذاكان كذلك ، وإن كان في غير علاج المريض . وقال غيره : رجل طبيب : أي حاذق ، سميطبيباً لحذقه وفطنته . قال علقمة :
فإن تسألوني بالنساءفإنني خبير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قلماله فليس له من ودهن نصيب
وقا ل عنترة :
إن تغد في دوني القناعفإنني طب بأخذ الفارس المستلئم
أي : إن ترخي عني قناعك ، وتستري وجهك رغبة عني ، فإني خبيرحاذق بأخذ الفارس الذي قد لبس لأمة حربه .
ومنها : العادة ، يقال : ليس ذاك بطبي ، أي : عادتي ، قال فروةبن مسيك :
فما إن طبنا جبن ولكن مناياناودولة آخرينا
وقال أحمد بن الحسين المتنبي :
وما التيه طبي فيهم غير أنني بغيض إلي الجاهل المتعاقل
ومنها : السحر ، يقال : رجل مطبوب ، أي : مسحور ، وفي الصحيح في حديث عائشة لما سحرت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلسالملكان عند رأسه وعند رجليه ، فقال أحدهما : ما بال الرجل ؟ قال الآخر : مطبوب .قال : من طبه ؟ قال : فلان اليهودي .
قال أبو عبيد : إنما قالوا للمسحور : مطبوب ، لأنهم كنوا بالطبعن السحر ، كما كنوا عن اللديغ ، فقالوا : سليم تفاولاً بالسلامة ، وكما كنوابالمفازة عن الفلاة المهلكة التي لا ماء فيها ، فقالوا : مفازة تفاؤلاً بالفوز منالهلاك . ويقال : الطب لنفس الداء . قال ابن أبي الأسلت :
ألا من مبلغ حسان عني أسحر كانطبك أم جنون
وأما قول الحماسي :
فإن كنت مطبوباً فلا زلت هكذا وإن كنت مسحوراً فلا برئ السحر
فإنه أراد بالمطبوب الذي قد سحر ، وأراد بالمسحور : العليلبالمرض .
قال الجوهري : ويقال للعليل : مسحور . وأنشد البيت . ومعناه :إن كان هذا الذي قد عراني منك ومن حبك أسأل الله دوامه ، ولا أريد زواله ، سواءكان سحراً أو مرضاً .
والطب : مثلث الطاء ، فالمفتوح الطاء : هو العالم بالأمور ،وكذلك الطبيب يقال له : طب أيضاً . والطب : بكسر الطاء : فعل الطبيب ،والطب بضم الطاء : اسم موضع ، قاله ابن السيد ، وأنشد :
فقلت هل انهلتم بطب ركابكم بجائزة الماء التي طاب طينها
وقوله صلى الله عليه وسلم : من تطبب ، ولم يقل :من طب ، لأن لفظ التفعل يدل على تكلف الشئ والدخول فيه بعسر وكلفه ، وأنه ليس منأهله ، كتحلم وتشجع وتصبر ونظائرها ، وكذلك بنوا تكلف على هذا الوزن ، قال الشاعر:
وقيس عيلان ومن تقيسا وأما الأمر الشرعي ، فإيجاب الضمان علىالطبيب الجاهل ، فإذا تعاطى علم الطب وعمله ، ولم يتقدم له به معرفة ، فقد هجمبجهله على إتلاف الأنفس ، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه ، فيكون قد غرر بالعليل ،فيلزمه الضمان لذلك ، وهذا إجماع من أهل العلم .
قال الخطابي : لا أعلم خلافاً في أن المعالج إذا تعدى ، فتلفالمريض كان ضامناً ، والمتعاطي علماً أو عملاً لا يعرفه متعد ، فإذا تولد من فعلهالتلف ضمن الدية ، وسقط عنه القود ، لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض وجنايةالمتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته .
قلت : الأقسام خمسة : أحدها : طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولمتجن يده ، فتولد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع ، ومن جهة من يطبه تلف العضوأو النفس ، أو ذهاب صفة ، فهذا لا ضمان عليه اتفاقاً ، فإنها سراية مأذون فيه ،وهذا كما إذا ختن الصبي في وقت ، وسنه قابل للختان ، وأعطى الصنعة حقها ، فتلفالعضو أو الصبي ، لم يضمن ، وكذلك إذا بط من عاقل أو غيره ما ينبغي بطه في وقتهعلى الوجه الذي ينبغي فتلف به ، لم يضمن ، وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعدالفاعل في سببها ، كسراية الحد بالإتفاق . وسراية القصاص عند الجمهور خلافاً لأبيحنيفة في إيجابه الضمان بها ، وسراية التعزير ، وضرب الرجل امرأته ، والمعلم الصبي، والمستأجر الدابة ، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي في إيجابهما الضمان في ذلك ،واستثنى الشافعي ضرب الدابة .
وقاعدة الباب إجماعاً ونزاعاً : أن سراية الجناية مضمونةبالإتفاق ، وسراية الواجب مهدرة بالإتفاق ، وما بينهما ففيه النزاع . فأبو حنيفةأوجب ضمانه مطلقاً ، وأحمد ومالك أهدرا ضمانه ، وفرق الشافعي بين المقدر ، فأهدرضمانه ، وبين غير المقدر فأوجب ضمانه . فأبو حنيفة نظر إلى أن الإذن في الفعل إنماوقع مشروطاً بالسلامة ، وأحمد ومالك نظرا إلى أن الإذن أسقط الضمان ، والشافعي نظرإلى أن المقدر لا يمكن النقصان منه ، فهو بمنزلة النص ، وأما غير المقدركالتعزيرات ، والتأديبات ، فاجتهادية ، فإذا تلف بها ، ضمن ، لأنه في مظنة العدوان.
فصل
القسم الثاني : متطبب جاهل باشرت يده من يطبه ، فتلف به ، فهذاإن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له ، وأذن له في طبه لم يضمن ، ولا تخالف هذهالصورة ظاهر الحديث ، فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غر العليل ، وأوهمه أنهطبيب ، وليس كذلك ، وإن ظن المريض أنه طبيب ، وأذن له في طبه لأجل معرفته ، ضمنالطبيب ما جنت يده ، وكذلك إن وصف له دواء يستعمله ، والعليل يظن أنه وصفهلمعرفته وحذقه فتلف به ، ضمنه ، والحديث ظاهر فيه أو صريح .
فصل
القسم الثالث : طبيب حاذق ، أذن له ، وأعطى الصنعة حقها ، لكنهأخطأت يده ، وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه ، مثل : أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة ،فهذا يضمن ، لأنها جناية خطأ ، ثم إن كانت الثلث فما زاد ، فهو على عاقلته ، فإنلم تكن عاقلة، فهل تكون الدية في ماله ، أو في بيت المال ؟ على قولين ، هماروايتان عن أحمد . وقيل : إن كان الطبيب ذمياً ، ففي ماله ، وإن كان مسلماً ، ففيهالروايتان ، فإن لم يكن بيت مال ، أو تعذر تحميله ، فهل تسقط الدية ، أو تجب فيمال الجاني ؟ فيه وجهان أشهرهما : سقوطها .
فصل
القسم الرابع : الطبيب الحاذق الماهر بصناعته ، اجتهد فوصفللمريض دواء ، فأخطأ في اجتهاده ، فقتله ، فهذا يخرج على روايتين : إحداهما : أندية المريض في بيت المال . والثانية : أنها على عاقلة الطبيب ، وقد نص عليهماالإمام أحمد في خطإ الإمام والحاكم .
فصل
القسم الخامس : طبيب حاذق ، أعطى الصنعة حقها ، فقطع سلعة منرجل أو صبي ، أو مجنون بغير إذنه ، أو إذن وليه ، أو ختن صبياً بغير إذن وليه فتلف، فقال أصحابنا : يضمن ، لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه ، وإن أذن له البالغ ، أوولي الصبي والمجنون ، لم يضمن ، ويحتمل أن لا يضمن مطلقاً لأنه محسن ، وما علىالمحسنين من سبيل . وأيضاً فإنه إن كان متعدياً ، فلا أثر لإذن الولي في إسقاطالضمان ، وإن لم يكن متعدياً ، فلا وجه لضمانه . فإن قلت : هو متعد عند عدم الإذن، غير متعد عند الإذن ، قلت : العدوان وعدمه إنما يرجع إلى فعله هو ، فلا أثرللإذن وعدمه فيه ، وهذا موضع نظر .
فصل
والطبيب في هذا الحديث يتناول من يطب بوصفه وقوله ، وهو الذييخص باسم الطبائعي ، وبمروده ، وهو الكحال ، وبمبضعه ومراهمه وهو الجرائحي ،وبموساه وهو الخاتن ، وبريشته وهو الفاصد ، وبمحاجمه ومشرطه وهو الحجام ، وبخلعهووصله ورباطه وهو المجبر ، وبمكواته وناره وهو الكواء ، وبقربته وهو الحاقن ،وسواء كان طبه لحيوان بهيم ، أو إنسان ، فاسم الطبيب يطلق لغة على هؤلاء كلهم ،كما تقدم ، وتخصيص الناس له ببعض أنواع الأطباء عرف حادث ، كتخصيص لفظ الدابة بمايخصها به كل قوم .
فصل
والطبيب الحاذق : هو الذي يراعي في علاجه عشرين أمراً : أحدها: النظر في نوع المرض من أي الأمراض هو ؟
الثاني : النظر في سببه من أي شئ حدث ، والعلة الفاعلة التيكانت سبب حدوثه ما هي ؟ .
الثالث : قوة المريض ، وهل هي مقاومة للمرض ، أو أضعف منه ؟فإن كانت مقاومة للمرض ، مستظهرة عليه ، تركها والمرض ، ولم يحرك بالدواء ساكناً .
الرابع : مزاج البدن الطبيعي ما هو ؟
الخامس : المزاج الحادث على غير المجرى الطبيعي .
السادس : سن المريض .
السابع : عادته .
الثامن : الوقت الحاضر من فصول السنة وما يليق به .
التاسع : بلد المريض وتربته .
العاشر : حال الهواء في وقت المرض .
الحادي عشر : النظر في الدواء المضاد لتلك العلة .
الثاني عشر : النظر في قوة الدواء ودرجته ، والموازنة بينهاوبين قوة المريض .
الثالث عشر : ألا يكون كل قصده إزالة تلك العلة فقط ، بلإزالتها على وجه يأمن معه حدوث أصعب منها ، فمتى كان إزالتها لا يأمن معها حدوثعلة أخرى أصعب منها ، أبقاها على حالها ، وتلطيفها هو الواجب ، وهذا كمرض أفواهالعروق ، فإنه متى عولج بقطعه وحبسه خيف حدوث ما هو أصعب منه .
الرابع عشر : أن يعالج بالأسهل فالأسهل ، فلا ينتقل من العلاجبالغذاء إلى الدواء إلا عند تعذره ، ولا ينتقل إلى الدواء المركب إلا عند تعذرالدواء البسيط ، فمن حذق الطبيب علاجه بالأغذية بدل الأدوية ، وبالأدوية البسيطةبدل المركبة .
الخامس عشر : أن ينظر في العلة ، هل هي مما يمكن علاجها أو لا؟ فإن لم يمكن علاجها ، حفظ صناعته وحرمته ، ولا يحمله الطمع على علاج لا يفيدشيئاً . وإن أمكن علاجها ، نظر هل يمكن زوالها أم لا ؟ فإن علم أنه لايمكن زوالها ، نظر هل يمكن تخفيفها وتقليلها أم لا ؟ فإن لم يكن تقليلها ، ورأى أنغاية الإمكان إيقافها وقطع زيادتها ، قصد بالعلاج ذلك ، وأعان القوة ، وأضعفالمادة .
السادس عشر : ألا يتعرض للخلط قبل نضجه باستفراغ ، بل يقصدإنضاجه ، فإذا تم نضجه ، بادر إلى استفراغه .
السابع عشر : أن يكون له خبرة باعتلال القلوب والأرواحوأدويتها ، وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان ، فإن انفعال البدن وطبيعته عن النفسوالقلب أمر مشهود ، والطبيب إذا كان عارفاً بأمراض القلب والروح وعلاجهما ، كان هوالطبيب الكامل ، والذي لا خبرة له بذلك وإن كان حاذقاً في علاج الطبيعة وأحوالالبدن نصف طبيب . وكل طبيب لا يداوي العليل ، بتفقد قلبه وصلاحه ، وتقوية روحهوقواه بالصدقة ، وفعل الخير ، والإحسان ، والإقبال على الله والدار الآخرة ، فليسبطبيب ، بل متطبب قاصر . ومن أعظم علاجات المرض فعل الخير والإحسان والذكر والدعاء، والتضرع والإبتهال إلى الله ، والتوبة ، ولهذه الأمور تأثير في دفع العلل ،وحصول الشفاء أعظم من الأدوية الطبيعية ، ولكن بحسب استعداد النفس وقبولهاوعقيدتها في ذلك ونفعه .
الثامن عشر : التلطف بالمريض ، والرفق به ، كالتلطف بالصبي .
التاسع عشر : أن يستعمل أنواع العلاجات الطبيعية والإلهية ، والعلاجبالتخييل ، فإن لحذاق الأطباء في التخييل أموراً عجيبة لا يصل إليها الدواء ،فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل معين .
العشرون : - وهو ملاك أمر الطبيب - ، أن يجعل علاجه وتدبيرهدائراً على ستة أركان : حفظ الصحة الموجودة ، ورد الصحة المفقودة بحسب الإمكان ،وإزالة العلة أو تقليلها بحسب الإمكان ، واحتمال أدنى المفسدتين لإزالة أعظمهما ،وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما ، فعلى هذه الأصول الستة مدار العلاج ، وكلطبيب لا تكون هذه أخيته التي يرجع إليها ، فليس بطبيب ، والله أعلم .
ولما كانت الأخلاط فى البلاد الحارة ، والأزمنة الحارة ترقوتنجذب إلى فوق ، كان القئ فيها أنفع . ولما كانت في الأزمنة الباردة والبلادالباردة تغلظ ، ويصعب جذبها إلى فوق ، كان استفراغها ، بالإسهال أنفع .
وإزالة الأخلاط ودفعها تكون بالجذب والإستفراغ ، والجذب يكونمن أبعد الطرق ، والإستفراغ من أقربها ، والفرق بينهما أن المادة إذا كانت عاملةفي الإنصباب أو الترقي لم تستقر بعد ، فهي محتاجة إلى الجذب ، فإن كانت متصاعدةجذبت من أسفل ، وإن كانت منصبة جذبت من فوق ، وأما إذا اسقرت في موضعها ، استفرغتمن أقرب الطرق إليها ، فمتى أضرت المادة بالأعضاء العليا ، اجتذبت من أسفل ، ومتىأضرت بالأعضاء السفلى ، اجتذبت من فوق ، ومتى استقرت ، استفرغت من أقرب مكان إليها، ولهذا احتج النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله تارة ، وفي رأسه أخرى ، وعلى ظهرقدمه تارة ، فكان يستفرغ مادة الدم المؤذي من أقرب مكان إليه . والله أعلم .
فصل
والقئ ينقي المعدة ويقويها ، ويحد البصر ، ويزيل ثقل الرأس ،وينفع قروح الكلى ، والمثانة ، والامراض المزمنة كالجذام والإستسقاء ، والفالجوالرعشة ، وينفع اليرقان .
ويبنغي أن يستعمله الصحيح في الشهر مرتين متواليتين من غير حفظدور ، ليتدارك الثاني ما قصر عنه الأول ، وينقي الفضلات التي انصبت بسببه ،والإكثار منه يضر المعدة ، ويجعلها قابلة للفضول ، ويضر بالأسنان والبصر والسمع ،وربما صدع عرقاً ، ويجب أن يجتنبه من به ورم في الحلق ، أو ضعف في الصدر ، أو دقيقالرقبة ، أو مستعد لنفث الدم ، أو عسر الإجابة له .
وأما ما يفعله كثير ممن يسيء التدبير ، وهو أن يمتلئ من الطعام، ثم يقذفه ، ففيه آفات عديدة ، منها : أنه يعجل الهرم ، ويوقع في أمراض رديئة ،ويجعل القئ له عادة . والقئ مع اليبوسة ، وضف الأحشاء ، وهزال المراق . أو ضعفالمستقيء خطر . . .
وأحمد أوقاته الصيف والربيع دون الشتاء والخريف ، وينبغي عندالقئ أن يعصب العينين ، ويقمط البطن ، ويغسل الوجه بماء بارد عند الفراغ ، وانيشرب عقيبه شراب التفاح مع يسير من مصطكى ، وماء الورد ينفعه نفعاً بيناً .
والقئ يستفرغ من أعلى المعدة ، ويجذب من أسفل ، والإسهالبالعكس ، قال أبقراط : وينبغي أن يكون الإستفراغ في الصيف من فوق أكثر منالإستفراغ بالدواء ، وفي الشتاء من أسفل .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم فيالإرشاد إلى معالجة أحذق الطبيبين
ذكر مالك في موطئه : عن زيد بن أسلم ، أن رجلاً فيزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه جرح ، فاحتقن الجرح الدم، وأن الرجل دعارجلين من بني أنمار ، فنظرا إليه فزعما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما: " أيكما أطب ؟ فقال : أوفي الطب خير يا رسول الله ؟ فقال : أنزل الدواء الذي أنزل الداء " .
ففي هذا الحديث أنه ينبغي الإستعانة في كل علم وصناعة بأحذق منفيها فالأحذق ، فإنه إلى الإصابة أقرب .
وهكذا يجب على المستفتي أن يستعين على ما نزل به بالأعلمفالأعلم ، لأنه أقرب إصابة ممن هو دونه .
وكذلك من خفيت عليه القبلة ، فإنه يقلد أعلم من يجده ، وعلىهذا فطر الله عباده ، كما أن المسافر في البر والبحر إنما سكون نفسه ، وطمأنينتهإلى أحذق الدليلين وأخبرهما ، وله يقصد ، وعليه يعتمد ، فقد اتفقت على هذا الشريعةوالفطرة والفعل .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " أنزل الدواء الذي أنزلالداء " ، قد جاء مثله عنه في أحاديث كثيرة ، فمنها ما رواه عمرو بن دينار ،عن هلال بن يساف ، قال : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مريض يعوده، فقال : أرسلوا إلى طبيب ، فقال قائل : وأنت تقول ذلك يا رسول الله ؟قال : نعم إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له دواء " .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة يرفعه : " ماأنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء " ، وقد تقدم هذا الحديث وغيره .
واختلف في معنى أنزل الداء والدواء ، فقالت طائفة: إنزاله إعلام العباد به ، وليس بشئ ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بعمومالإنزال لكل داء ودوائه ، وأكثر الخلق لا يعملون ذلك ، ولهذا قال : " علمه منعلمه ، وجهله من جهله " .
وقالت طائفة : إنزالهما : خلقهما ووضعهما في الأرض ، كما فيالحديث الآخر : " إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء " ، وهذا وإن كانأقرب في الذي قبله ، فلفظة الإنزال أخص من لفظة الخلق والوضع ، فلا ينبغي إسقاطخصوصية اللفظة بلا موجب .
وقالت طائفة : إنزالهما بواسطة الملائكة الموكلين بمباشرةالخلق من داء ودواء وغير ذلك ، فإن الملائكة موكلة بأمر هذا العالم ، وأمر النوعالإنساني من حين سقوطه في رحم أمه إلى حين موته ، فإنزال الداء والدواء معالملائكة ، وهذا أقرب من الوجهين قبله .
وقالت طائفة : إن عامة الأدواء والأدوية هي بواسطة إنزال الغيثمن السماء الذي تتولد به الأغذية ، والأقوات ، والأدوية ، والأدواء ، وآلاتذلك كله ، وأسبابه ومكملاته ، وما كان منها من المعادن العلوية ، فهي تنزل منالجبال ، وما كان منها من الأودية والأنهار والثمار ، فداخل في اللفظ على طريقالتغليب والإكتفاء عن الفعلين بفعل واحد يتضمنهما ، وهو معروف من لغة العرب ، بلوغيرها من الأمم ، كقول الشاعر :
علفتها تبنا وماءبارداً حتى غدت همالة عيناها
وقول الآخر :
ورأيت زوجك قــدغدا متقلـــداً سيفـــاًورمحـــاً
وقول الآخر :
إذا ما الغانيات برزنيوماً وزججن الحواجب والعيونا
وهذا أحسن مما قبله من الوجوه والله أعلم .
وهذا من تمام حكمة الرب عز وجل ، وتمام ربوبيته ، فإنه كماابتلى عباده بالأدواء ، أعانهم عليها بما يسره لهم من الأدوية ، وكما ابتلاهمبالذنوب أعانهم عليها بالتوبة ، والحسنات الماحية والمصائب المكفرة ، وكما ابتلاهمبالأرواح الخبيثة من الشياطين ، أعانهم عليها بجند من الأرواح الطيبة ، وهمالملائكة . وكما ابتلاهم بالشهوات أعانهم على قضائها بما يسره لهم شرعاً وقدراً منالمشتهيات اللذيذة النافعة ، فما ابتلاكم سبحانه بشئ إلا أعطاهم ما يستعينون بهعلى ذلك البلاء ، ويدفعونه به ، ويبقى التفاوت بينهم في العلم بذلك ، والعلم بطريقحصوله والتوصل إليه ، وبالله المستعان .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في تضمينمن طب الناس ، وهو جاهل بالطب
روى أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث عمرو بن شعيب ،عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تطبب ولميعلم منه الطب قبل ذلك ، فهو ضامن " .
هذا الحديث يتعلق به ثلاثة أمور : أمر لغوي ، وأمر فقهي ، وأمرطبي .
فأما اللغوي : فالطب بكسر الطاء في لغة العرب ، يقال : علىمعان . منها الإصلاح ، يقال : طببته : إذا أصلحته . ويقال : له طب بالأمور . أي :لطف وسياسة . قال الشاعر :
وإذا تغير من تميمأمرها كنت الطبيب لها برأي ثاقب
ومنها : الحذق . قال الجوهري : كل حاذق طبيب عند العرب ، قالأبو عبيد : أصل الطب : الحذق بالأشياء والمهارة بها . يقال للرجل : طب وطبيب : إذاكان كذلك ، وإن كان في غير علاج المريض . وقال غيره : رجل طبيب : أي حاذق ، سميطبيباً لحذقه وفطنته . قال علقمة :
فإن تسألوني بالنساءفإنني خبير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قلماله فليس له من ودهن نصيب
وقا ل عنترة :
إن تغد في دوني القناعفإنني طب بأخذ الفارس المستلئم
أي : إن ترخي عني قناعك ، وتستري وجهك رغبة عني ، فإني خبيرحاذق بأخذ الفارس الذي قد لبس لأمة حربه .
ومنها : العادة ، يقال : ليس ذاك بطبي ، أي : عادتي ، قال فروةبن مسيك :
فما إن طبنا جبن ولكن مناياناودولة آخرينا
وقال أحمد بن الحسين المتنبي :
وما التيه طبي فيهم غير أنني بغيض إلي الجاهل المتعاقل
ومنها : السحر ، يقال : رجل مطبوب ، أي : مسحور ، وفي الصحيح في حديث عائشة لما سحرت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلسالملكان عند رأسه وعند رجليه ، فقال أحدهما : ما بال الرجل ؟ قال الآخر : مطبوب .قال : من طبه ؟ قال : فلان اليهودي .
قال أبو عبيد : إنما قالوا للمسحور : مطبوب ، لأنهم كنوا بالطبعن السحر ، كما كنوا عن اللديغ ، فقالوا : سليم تفاولاً بالسلامة ، وكما كنوابالمفازة عن الفلاة المهلكة التي لا ماء فيها ، فقالوا : مفازة تفاؤلاً بالفوز منالهلاك . ويقال : الطب لنفس الداء . قال ابن أبي الأسلت :
ألا من مبلغ حسان عني أسحر كانطبك أم جنون
وأما قول الحماسي :
فإن كنت مطبوباً فلا زلت هكذا وإن كنت مسحوراً فلا برئ السحر
فإنه أراد بالمطبوب الذي قد سحر ، وأراد بالمسحور : العليلبالمرض .
قال الجوهري : ويقال للعليل : مسحور . وأنشد البيت . ومعناه :إن كان هذا الذي قد عراني منك ومن حبك أسأل الله دوامه ، ولا أريد زواله ، سواءكان سحراً أو مرضاً .
والطب : مثلث الطاء ، فالمفتوح الطاء : هو العالم بالأمور ،وكذلك الطبيب يقال له : طب أيضاً . والطب : بكسر الطاء : فعل الطبيب ،والطب بضم الطاء : اسم موضع ، قاله ابن السيد ، وأنشد :
فقلت هل انهلتم بطب ركابكم بجائزة الماء التي طاب طينها
وقوله صلى الله عليه وسلم : من تطبب ، ولم يقل :من طب ، لأن لفظ التفعل يدل على تكلف الشئ والدخول فيه بعسر وكلفه ، وأنه ليس منأهله ، كتحلم وتشجع وتصبر ونظائرها ، وكذلك بنوا تكلف على هذا الوزن ، قال الشاعر:
وقيس عيلان ومن تقيسا وأما الأمر الشرعي ، فإيجاب الضمان علىالطبيب الجاهل ، فإذا تعاطى علم الطب وعمله ، ولم يتقدم له به معرفة ، فقد هجمبجهله على إتلاف الأنفس ، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه ، فيكون قد غرر بالعليل ،فيلزمه الضمان لذلك ، وهذا إجماع من أهل العلم .
قال الخطابي : لا أعلم خلافاً في أن المعالج إذا تعدى ، فتلفالمريض كان ضامناً ، والمتعاطي علماً أو عملاً لا يعرفه متعد ، فإذا تولد من فعلهالتلف ضمن الدية ، وسقط عنه القود ، لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض وجنايةالمتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته .
قلت : الأقسام خمسة : أحدها : طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولمتجن يده ، فتولد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع ، ومن جهة من يطبه تلف العضوأو النفس ، أو ذهاب صفة ، فهذا لا ضمان عليه اتفاقاً ، فإنها سراية مأذون فيه ،وهذا كما إذا ختن الصبي في وقت ، وسنه قابل للختان ، وأعطى الصنعة حقها ، فتلفالعضو أو الصبي ، لم يضمن ، وكذلك إذا بط من عاقل أو غيره ما ينبغي بطه في وقتهعلى الوجه الذي ينبغي فتلف به ، لم يضمن ، وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعدالفاعل في سببها ، كسراية الحد بالإتفاق . وسراية القصاص عند الجمهور خلافاً لأبيحنيفة في إيجابه الضمان بها ، وسراية التعزير ، وضرب الرجل امرأته ، والمعلم الصبي، والمستأجر الدابة ، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي في إيجابهما الضمان في ذلك ،واستثنى الشافعي ضرب الدابة .
وقاعدة الباب إجماعاً ونزاعاً : أن سراية الجناية مضمونةبالإتفاق ، وسراية الواجب مهدرة بالإتفاق ، وما بينهما ففيه النزاع . فأبو حنيفةأوجب ضمانه مطلقاً ، وأحمد ومالك أهدرا ضمانه ، وفرق الشافعي بين المقدر ، فأهدرضمانه ، وبين غير المقدر فأوجب ضمانه . فأبو حنيفة نظر إلى أن الإذن في الفعل إنماوقع مشروطاً بالسلامة ، وأحمد ومالك نظرا إلى أن الإذن أسقط الضمان ، والشافعي نظرإلى أن المقدر لا يمكن النقصان منه ، فهو بمنزلة النص ، وأما غير المقدركالتعزيرات ، والتأديبات ، فاجتهادية ، فإذا تلف بها ، ضمن ، لأنه في مظنة العدوان.
فصل
القسم الثاني : متطبب جاهل باشرت يده من يطبه ، فتلف به ، فهذاإن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له ، وأذن له في طبه لم يضمن ، ولا تخالف هذهالصورة ظاهر الحديث ، فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غر العليل ، وأوهمه أنهطبيب ، وليس كذلك ، وإن ظن المريض أنه طبيب ، وأذن له في طبه لأجل معرفته ، ضمنالطبيب ما جنت يده ، وكذلك إن وصف له دواء يستعمله ، والعليل يظن أنه وصفهلمعرفته وحذقه فتلف به ، ضمنه ، والحديث ظاهر فيه أو صريح .
فصل
القسم الثالث : طبيب حاذق ، أذن له ، وأعطى الصنعة حقها ، لكنهأخطأت يده ، وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه ، مثل : أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة ،فهذا يضمن ، لأنها جناية خطأ ، ثم إن كانت الثلث فما زاد ، فهو على عاقلته ، فإنلم تكن عاقلة، فهل تكون الدية في ماله ، أو في بيت المال ؟ على قولين ، هماروايتان عن أحمد . وقيل : إن كان الطبيب ذمياً ، ففي ماله ، وإن كان مسلماً ، ففيهالروايتان ، فإن لم يكن بيت مال ، أو تعذر تحميله ، فهل تسقط الدية ، أو تجب فيمال الجاني ؟ فيه وجهان أشهرهما : سقوطها .
فصل
القسم الرابع : الطبيب الحاذق الماهر بصناعته ، اجتهد فوصفللمريض دواء ، فأخطأ في اجتهاده ، فقتله ، فهذا يخرج على روايتين : إحداهما : أندية المريض في بيت المال . والثانية : أنها على عاقلة الطبيب ، وقد نص عليهماالإمام أحمد في خطإ الإمام والحاكم .
فصل
القسم الخامس : طبيب حاذق ، أعطى الصنعة حقها ، فقطع سلعة منرجل أو صبي ، أو مجنون بغير إذنه ، أو إذن وليه ، أو ختن صبياً بغير إذن وليه فتلف، فقال أصحابنا : يضمن ، لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه ، وإن أذن له البالغ ، أوولي الصبي والمجنون ، لم يضمن ، ويحتمل أن لا يضمن مطلقاً لأنه محسن ، وما علىالمحسنين من سبيل . وأيضاً فإنه إن كان متعدياً ، فلا أثر لإذن الولي في إسقاطالضمان ، وإن لم يكن متعدياً ، فلا وجه لضمانه . فإن قلت : هو متعد عند عدم الإذن، غير متعد عند الإذن ، قلت : العدوان وعدمه إنما يرجع إلى فعله هو ، فلا أثرللإذن وعدمه فيه ، وهذا موضع نظر .
فصل
والطبيب في هذا الحديث يتناول من يطب بوصفه وقوله ، وهو الذييخص باسم الطبائعي ، وبمروده ، وهو الكحال ، وبمبضعه ومراهمه وهو الجرائحي ،وبموساه وهو الخاتن ، وبريشته وهو الفاصد ، وبمحاجمه ومشرطه وهو الحجام ، وبخلعهووصله ورباطه وهو المجبر ، وبمكواته وناره وهو الكواء ، وبقربته وهو الحاقن ،وسواء كان طبه لحيوان بهيم ، أو إنسان ، فاسم الطبيب يطلق لغة على هؤلاء كلهم ،كما تقدم ، وتخصيص الناس له ببعض أنواع الأطباء عرف حادث ، كتخصيص لفظ الدابة بمايخصها به كل قوم .
فصل
والطبيب الحاذق : هو الذي يراعي في علاجه عشرين أمراً : أحدها: النظر في نوع المرض من أي الأمراض هو ؟
الثاني : النظر في سببه من أي شئ حدث ، والعلة الفاعلة التيكانت سبب حدوثه ما هي ؟ .
الثالث : قوة المريض ، وهل هي مقاومة للمرض ، أو أضعف منه ؟فإن كانت مقاومة للمرض ، مستظهرة عليه ، تركها والمرض ، ولم يحرك بالدواء ساكناً .
الرابع : مزاج البدن الطبيعي ما هو ؟
الخامس : المزاج الحادث على غير المجرى الطبيعي .
السادس : سن المريض .
السابع : عادته .
الثامن : الوقت الحاضر من فصول السنة وما يليق به .
التاسع : بلد المريض وتربته .
العاشر : حال الهواء في وقت المرض .
الحادي عشر : النظر في الدواء المضاد لتلك العلة .
الثاني عشر : النظر في قوة الدواء ودرجته ، والموازنة بينهاوبين قوة المريض .
الثالث عشر : ألا يكون كل قصده إزالة تلك العلة فقط ، بلإزالتها على وجه يأمن معه حدوث أصعب منها ، فمتى كان إزالتها لا يأمن معها حدوثعلة أخرى أصعب منها ، أبقاها على حالها ، وتلطيفها هو الواجب ، وهذا كمرض أفواهالعروق ، فإنه متى عولج بقطعه وحبسه خيف حدوث ما هو أصعب منه .
الرابع عشر : أن يعالج بالأسهل فالأسهل ، فلا ينتقل من العلاجبالغذاء إلى الدواء إلا عند تعذره ، ولا ينتقل إلى الدواء المركب إلا عند تعذرالدواء البسيط ، فمن حذق الطبيب علاجه بالأغذية بدل الأدوية ، وبالأدوية البسيطةبدل المركبة .
الخامس عشر : أن ينظر في العلة ، هل هي مما يمكن علاجها أو لا؟ فإن لم يمكن علاجها ، حفظ صناعته وحرمته ، ولا يحمله الطمع على علاج لا يفيدشيئاً . وإن أمكن علاجها ، نظر هل يمكن زوالها أم لا ؟ فإن علم أنه لايمكن زوالها ، نظر هل يمكن تخفيفها وتقليلها أم لا ؟ فإن لم يكن تقليلها ، ورأى أنغاية الإمكان إيقافها وقطع زيادتها ، قصد بالعلاج ذلك ، وأعان القوة ، وأضعفالمادة .
السادس عشر : ألا يتعرض للخلط قبل نضجه باستفراغ ، بل يقصدإنضاجه ، فإذا تم نضجه ، بادر إلى استفراغه .
السابع عشر : أن يكون له خبرة باعتلال القلوب والأرواحوأدويتها ، وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان ، فإن انفعال البدن وطبيعته عن النفسوالقلب أمر مشهود ، والطبيب إذا كان عارفاً بأمراض القلب والروح وعلاجهما ، كان هوالطبيب الكامل ، والذي لا خبرة له بذلك وإن كان حاذقاً في علاج الطبيعة وأحوالالبدن نصف طبيب . وكل طبيب لا يداوي العليل ، بتفقد قلبه وصلاحه ، وتقوية روحهوقواه بالصدقة ، وفعل الخير ، والإحسان ، والإقبال على الله والدار الآخرة ، فليسبطبيب ، بل متطبب قاصر . ومن أعظم علاجات المرض فعل الخير والإحسان والذكر والدعاء، والتضرع والإبتهال إلى الله ، والتوبة ، ولهذه الأمور تأثير في دفع العلل ،وحصول الشفاء أعظم من الأدوية الطبيعية ، ولكن بحسب استعداد النفس وقبولهاوعقيدتها في ذلك ونفعه .
الثامن عشر : التلطف بالمريض ، والرفق به ، كالتلطف بالصبي .
التاسع عشر : أن يستعمل أنواع العلاجات الطبيعية والإلهية ، والعلاجبالتخييل ، فإن لحذاق الأطباء في التخييل أموراً عجيبة لا يصل إليها الدواء ،فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل معين .
العشرون : - وهو ملاك أمر الطبيب - ، أن يجعل علاجه وتدبيرهدائراً على ستة أركان : حفظ الصحة الموجودة ، ورد الصحة المفقودة بحسب الإمكان ،وإزالة العلة أو تقليلها بحسب الإمكان ، واحتمال أدنى المفسدتين لإزالة أعظمهما ،وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما ، فعلى هذه الأصول الستة مدار العلاج ، وكلطبيب لا تكون هذه أخيته التي يرجع إليها ، فليس بطبيب ، والله أعلم .
وأذا مرضت فهو يشفين :: الفئة الأولى :: العلاج بالقرأن الكريم :: علاج السحر واللبس والمس بالقرأن الكريم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين مارس 16, 2015 7:49 pm من طرف خالد براهمه
» علاج السرطان بالأعشاب خلال اربعة اسابيع
الإثنين مارس 16, 2015 7:35 pm من طرف خالد براهمه
» الفستق مقوى جنسي نسبة 51%
الخميس نوفمبر 28, 2013 7:37 pm من طرف خالد براهمه
» اسماء الأعشاب
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:35 am من طرف حسين العنوز
» آيات الشفاء في القرآن
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:30 am من طرف حسين العنوز
» اضطرابات الغدة الدرقية وعلاجها
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:29 am من طرف حسين العنوز
» رقية للعقـم والإســـقاط
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:28 am من طرف حسين العنوز
» مرضى السكري
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:27 am من طرف حسين العنوز
» اظفـــــــار،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:27 am من طرف حسين العنوز