بحـث
المواضيع الأخيرة
مايو 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | ||
6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 |
13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 |
20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 |
27 | 28 | 29 | 30 | 31 |
دخول
الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول3
وأذا مرضت فهو يشفين :: الفئة الأولى :: العلاج بالقرأن الكريم :: علاج السحر واللبس والمس بالقرأن الكريم
صفحة 1 من اصل 1
الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول3
فصل
وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض ثلاثة أنواع .. .
أحدها : بالأدوية الطبيعية .
والثاني : بالأدوية الإلهية .
والثالث : بالمركب من الأمرين .
ونحن نذكر الأنواع الثلاثة من هديه صلى الله عليهوسلم ، فنبدأ بذكر الأدوية الطبيعية التي وصفها واستعملها ، ثم نذكر الأدويةالإلهية ، ثم المركبة .
وهذا إنما نشير إليه إشارة ، فإن رسول الله صلىالله عليه وسلم إنما بعث هادياً ، وداعياً إلى الله ، وإلى جنته ، ومعرفاً بالله ،ومبيناً للأمة مواقع رضاه وآمراً لهم بها ، ومواقع سخطه وناهياً لهم عنها ،ومخبرهم أخبار الأنبياء والرسل وأحوالهم مع أممهم ،
وأخبار تخليق العالم ، وأمر المبدأ والمعاد ،وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها ، وأسباب ذلك .
وأما طب الأبدان : فجاء من تكميل شريعته ، ومقصوداًلغيره ، بحيث إنما يستعمل عند الحاجة إليه ، فإذا قدر على الإستغناء عنه، كان صرفالهمم والقوى إلى علاج القلوب والأرواح ، وحفظ صحتها ، ودفع أسقامها ، وحميتها ممايفسدها هو المقصود بالقصد الأول ، وإصلاح البدن بدون إصلاح القلب لا ينفع ، وفساد البدنمع إصلاح القلب مضرته يسيرة جداً ، وهي مضرة زائلة تعقبها المنفعة الدائمة التامة، وبالله التوفيق .
ذكر القسم الأول وهو العلاج بالأدوية الطبيعية
فصل
في هديه في علاج الحمى
ثبت في الصحيحين : عن نافع ، عن ابنعمر ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إنما الحمى أو شدة الحمى من فيحجهنم ، فأبردوها بالماء " .
وقد أشكل هذا الحديث على كثير من جهلة الأطباء ،ورأوه منافياً لدواء الحمى وعلاجها ، ونحن نبين بحول الله وقوته وجهه وفقهه ،فنقول : خطاب النبي صلى الله عليه وسلم نوعان : عام لأهل الأرض ، وخاص ببعضهم ،فالأول : كعامة خطابه ، والثاني : كقوله : " لا تستقبلوا القبلة بغائط، ولا بول ، ولا تستدبروها ، ولكن شرقوا ، أو غربوا " فهذا ليس بخطاب لأهلالمشرق والمغرب ولا العراق ، ولكن لأهل المدينة وما على سمتها ، كالشام وغيرها .وكذلك قوله : " ما بين المشرق والمغرب قبلة " .
وإذا عرف هذا ، فخطابه في هذا الحديث خاص بأهلالحجاز ، وما والاهم ، إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من نوع الحمى اليوميةالعرضية الحادثة عن شدة حرارة الشمس ، وهذه ينفعها الماء البارد شرباً واغتسالاً ،فإن الحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب ، وتنبث منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن ،فتشتعل فيه اشتعالاً يضر بالأفعال الطبيعية ، وهي تنقسم إلى قسمين : عرضية : وهيالحادثة إما عن الورم ، أو الحركة ، أو إصابة حرارة الشمس ، أو القيظ الشديد ونحوذلك .
ومرضية : وهي ثلاثة أنواع ، وهي لا تكون إلا فيمادة أولى ، ثم منها يسخن جميع البدن . فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حمى يوم ،لأنها في الغالب تزول في يوم ، ونهايتها ثلاثة أيام ، وإن كان مبدأ تعلقهابالأخلاط سميت عفنية ، وهي أربعة أصناف : صفراوية ، وسوداوية ، وبلغمية ، ودموية . وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاءالصلبة الأصلية ، سميت حمى دق ، وتحت هذه الأنواع أصناف كثيرة .
وقد ينتفع البدن بالحمى انتفاعاً عظيماً لا يبلغهالدواء ، وكثيراً ما يكون حمى يوم ، وحمى العفن سبباً لإنضاج مواد غليظة لم تكنتنضج بدونها ، وسبباً لتفتح سدد لم يكن تصل إليها الأدوية المفتحة .
وأما الرمد الحديث والمتقادم ، فإنها تبرئ أكثرأنواعه برءاً عجيباً سريعاً ، وتنفع من الفالج ، واللقوة ، والتشنج الإمتلائي ،وكثيراً من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة .
وقال لي بعض فضلاء الأطباء : إن كثيراً من الأمراضنستبشر فيها بالحمى ، كما يستبشر المريض بالعافية ، فتكون الحمى فيه أنفع من شربالدواء بكثير ، فإنها تنضج من الأخلاط والمواد الفاسدة ما يضر بالبدن ، فإذاأنضجتها صادفها الدواء متهيئة للخروج بنضاجها ، فأخرجها ، فكانت سبباً للشفاء .
وإذا عرف هذا ، فيجوز أن يكون مراد الحديث من أقسامالحميات العرضية ، فإنها تسكن على المكان بالإنغماس في الماء البارد، وسقي الماءالبارد المثلوج ، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى علاج آخر ، فإنها مجرد كيفية حارةمتعلقة بالروح ، فيكفي في زوالها مجرد وصول كيفية باردة تسكنها ، وتخمد لهبها منغير حاجة إلى استفراغ مادة ، أو انتظار نضج .
ويجوز أن يراد به جميع أنواع الحميات ، وقد اعترففاضل الأطباء جالينوس : بأن الماء البارد ينفع فيها ، قال في المقالة العاشرة منكتاب حيلة البرء : ولو أن رجلاً شاباً حسن اللحم ، خصب البدن في وقتالقيظ ، وفي وقت منتهى الحمى ، وليس في أحشائه ورم ، استحم بماء بارد أو سبح فيه ،لانتفع بذلك . قال : ونحن نأمر بذلك لا توقف .
وقال الرازي في كتابه الكبير : إذا كانت القوة قوية، والحمى ، حادة جداً ، والنضج بين ولا ورم في الجوف ، ولا فتق ، ينفع الماءالبارد شرباً ، وإن كان العليل خصب البدن والزمان حار ، وكان معتاداً لاستعمالالماء البارد من خارج ، فليؤذن فيه .
وقوله : " الحمى من فيح جهنم " ، هو شدةلهبها ، وانتشارها ، ونظيره : قوله : " شدة الحر من فيح جهنم " وفيهوجهان .
أحدهما : أن ذلك أنموذج ورقيقة اشتقت من جهنمليستدل بها العباد عليها ، ويعتبروا بها ، ثم إن الله سبحانه قدر ظهورها بأسبابتقتضيها ، كما أن الروح والفرح و السرور واللذة من نعيم الجنة أظهرها الله في هذهالدار عبرة ودلالة ، وقدر ظهورها بأسباب توجبها .
والثاني : أن يكون المراد التشبيه ، فشبه شدة الحمىولهبها بفيح جهنم ، وشبه شدة الحر به أيضاً تنبيهاً للنفوس على شدة عذاب النار ،وأن هذه الحرارة العظيمة مشبهة بفيحها ، وهو ما يصيب من قرب منها من حرها .
وقوله : فأبردوها ، روي بوجهين : بقطعالهمزة وفتحها ، رباعي : من أبرد الشئ : إذا صيره بارداً ، مثل أسخنه : إذا صيرهسخناً .
والثاني : بهمزة الوصل مضمومة من برد الشئ يبرده ،وهو أفصح لغة واستعمالاً ، والرباعي لغة رديئة عندهم قال :
إذا وجدت لهيب الحب فيكبدي أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هبني بردت ببرد الماءظاهره فمن لنار علي الأحشاء تتقد
وقوله : بالماء ، فيه قولان . أحدهما :أنه كل ماء وهو الصحيح . والثاني : أنه ماء زمزم ، واحتج أصحاب هذا القول بما رواهالبخاري في صحيحه عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي ، قال : كنت أجالسابن عباس بمكة ، فأخذتني الحمى ، فقال : أبردها عنك بماء زمزم ، فإن رسول الله صلىالله عليه وسلم قال : " إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ، أو قال: بماءزمزم " . وراوي هذا قد شك فيه ، ولو جزم به لكان أمراً لأهل مكة بماء زمزم ،إذ هو متيسر عندهم ، ولغيرهم بما عندهم من الماء .
ثم اختلف من قال : إنه على عمومه ، هل المراد بهالصدقة بالماء ، أو استعماله ؟ على قولين . والصحيح أنه استعمال ، وأظن أن الذيحمل من قال : المراد الصدقة به أنه أشكل عليه استعمال الماء البارد في الحمى ، ولميفهم وجهه مع أن لقوله وجهاً حسناً ، وهو أن الجزاء من جنس العمل ، فكما أخمد لهيب العطش عن الظمآن بالماءالبارد ، أخمد الله لهيب الحمى عنه جزاء وفاقاً ، ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديثوإشارته ، وأما المراد به فاستعماله .
وقد ذكر أبو نعيم وغيره من حديث أنس يرفعه : "إذا حم أحدكم ، فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر" .
وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة يرفعه :" الحمى كير من كير جهنم ، فنحوها عنكم بالماء البارد" .
وفي المسند وغيره ، من حديث الحسن ، عنسمرة يرفعه : " الحمى قطعة من النار ، فأبردوها عنكم بالماء البارد " ،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء ، فأفرغها على رأسهفاغتسل .
وفي السنن : من حديث أبي هريرة قال :ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسبها رجل ، فقال رسول الله صلىالله عليه وسلم : " لا تسبها فإنها تنفي الذنوب ، كما تنفي النار خبث الحديد" .
لما كانت الحمى يتبعها حمية عن الأغذية الرديئة ،وتناول الأغذية والأدوية النافعة ، وفي ذلك إعانة على تنقية البدن ، ونفي أخباثهوفضوله ، وتصفيته من مواده الرديئة ، وتفعل فيه كما تفعل النار في الحديد في نفيخبثه ، وتصفية جوهره ، كانت أشبه الأشياء بنار الكير التي تصفي جوهر الحديد ، وهذاالقدر هو المعلوم عند أطباء الأبدان .
وأما تصفيتها القلب من وسخه ودرنه ، وإخراجهاخبائثه ، فأمر يعلمه أطباء القلوب ، ويجدونه كما أخبرهم به نبيهم رسول الله صلىالله عليه وسلم ، ولكن مرض القلب إذا صار مأيوساً من برئه ، لم ينفع فيه هذاالعلاج .
فالحمى تنفع البدن والقلب ، وما كان بهذه المثابةفسبه ظلم وعدوان ، وذكرت مرة وأنا محموم قول بعض الشعراء يسبها :
زارت مكفرة الذنــوبوودعــت تبــاً لهــا مــن زائــر ومودع
قالت وقد عزمت علىترحالها ماذا تريد فقلت أن لا ترجعي
فقلت : تباً له إذ سب ما نهى رسول الله صلى اللهعليه وسلم عن سبه ، ولو قال :
زارت مكفــــرة الذنوب لصبهــا أهلاً بهـــا مــــن زائر ومودع
قالت وقد عزمت علىترحالها ماذا تريد فقلت : أن لا تقلعي
لكان أولى به ، ولأقلعت عنه ، فأقلعت عني سريعاً .وقد روي في أثر لا أعرف حاله حمى يوم كفارة سنة ، وفيه قولان أحدهما :أن الحمى تدخل في كل الأعضاء والمفاصل ، وعدتها ثلاثمائة وستون مفصلاً ، فتكفر عنه- بعدد كل مفصل - ذنوب يوم. والثاني : أنها تؤثر في البدن تأثيراً لا يزول بالكليةإلى سنة ، كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم : " من شرب الخمر لم تقبل لهصلاة أربعين يوماً " : إن أثر الخمر يبقى في جوف العبد ، وعروقه ، وأعضائهأربعين يوماً والله أعلم .
قال أبو هريرة : ما من مرض يصيبني أحب إلي من الحمى، لأنها تدخل في كل عضو مني ، وإن الله سبحانه يعطي كل عضو حظه من الأجر .
وقد روى الترمذي في جامعه من حديث رافعبن خديج يرفعه : " إذا أصابت أحدكم الحمى - وإن الحمى قطعة من النار -فليطفئها بالماء البارد ويستقبل نهراً جارياً ، فليستقبل جرية الماء بعد الفجروقبل طلوع الشمس ، وليقل : بسم الله اللهم اشف عبدك ، وصدق رسولك ، وينغمس فيهثلاث غمسات ثلاثة أيام ، فان برئ ، والإ ففى خمس ، فإن لم يبرأ في خمس ، فسبع ،فإن لم يبرأ في سبع فتسع ، فإنها لا تكاد تجاوز تسعاً بإذن الله" .
قلت : وهو ينفع فعله في فصل الصيف في البلاد الحارةعلى الشرائط التي تقدمت ، فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاةالشمس ، ووفور القوى في ذلك الوقت لما أفادها النوم ، والسكون ، وبرد الهواء ، فتجتمعفيه قوة القوى ، وقوة الدواء ، وهو الماء البارد على حرارة الحمى العرضية ، أو الغب الخالصة ، أعنيالتي لا ورم معها ، ولا شئ من الأعراض الرديئة والمواد الفاسدة ، فيطفئها بإذنالله ، لا سيما في أحد الأيام المذكورة في الحديث ، وهي الأيام التي يقع فيهابحران الأمراض الحادة كثيراً ، سيما في البلاد المذكورة لرقة أخلاط سكانها ، وسرعةانفعالهم عن الدواء النافع .
***
فصل
في هديه في علاج استطلاقالبطن
في الصحيحين : من حديث أبي المتوكل ،عن أبي سعيد الخدري ، " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن أخييشتكي بطنه : وفي رواية : استطلق بطنه ، فقال : اسقه عسلاً ، فذهب ثمرجع ، فقال : قد سقيته ، فلم يغن عنه شيئاً. وفي لفظ : فلم يزده إلا استطلاقاًمرتين أو ثلاثاً ، كل ذلك يقول له : اسقه عسلاً ، فقال له في الثالثةأو الرابعة : صدق الله ، وكذب بطن أخيك " .
وفي صحيح مسلم في لفظ له : " إنأخي عرب بطنه " ، أي فسد هضمه ، واعتلت معدته ، والاسم العرب بفتح الراء ،والذرب أيضاً .
والعسل فيه منافع عظيمة ، فإنه جلاء للأوساخ التيفي العروق والأمعاء وغيرها ، محلل للرطوبات أكلاً وطلاءً ، نافع للمشايخ وأصحابالبلغم ، ومن كان مزاجه بارداً رطباً ، وهو مغذ ملين للطبيعة ، حافظ لقوى المعاجينولما استودع فيه ، مذهب لكيفيات الأدوية الكريهة ، منق للكبد والصدر ، مدر للبول ،موافق للسعال الكائن عن البلغم ، وإذا شرب حاراً بدهن الورد ، نفع من نهش
الهوام وشرب الأفيون ، وإن شرب وحده ممزوجاً بماءنفع من عضة الكلب الكلب ، وأكل الفطر القتال ، وإذا جعل فيه اللحم الطري ، حفظطراوته ثلاثة أشهر ، وكذلك إن جعل فيه القثاء ، والخيار ، والقرع ، والباذنجان ،ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر ، ويحفظ جثة الموتى ، ويسمى الحافظ الأمين .وإذا لطخ به البدن المقمل والشعر ، قتل قمله وصئبانه ، وطول الشعر ، وحسنه ، ونعمه، وإن اكتحل به ، جلا ظلمة البصر ، وإن استن به ، بيض الأسنان وصقلها ، وحفظ صحتها، وصحة اللثة ، ويفتح أفواه العروق ، ويدر الطمث ، ولعقه على الريق يذهب البلغم ،ويغسل خمل المعدة ، ويدفع الفضلات عنها ، ويسخنها تسخيناً معتدلاً ، ويفتح سددها ،ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة ، وهو أقل ضرراً لسدد الكبد والطحال من كل حلو .
وهو مع هذا كله مأمون الغائلة ، قليل المضار ، مضربالعرض للصفراويين ، ودفعها بالخل ونحوه ، فيعود حينئذ نافعاً له جداً .
وهو غذاء مع الأغذية ، ودواء مع الأدوية ، وشراب معالأشربة ، وحلو مع الحلوى ، وطلاء مع الأطلية ، ومفرح مع المفرحات ، فما خلق لناشئ فى في معناه أفضل منه ، ولا مثله ، ولا قريباً منه ، ولم يكن معول القدماء إلاعليه ، وأكثر كتب القدماء لا ذكر فيها للسكر البتة ، ولا يعرفونه ، فإنه حديث العهد حدث قريباً ، وكانالنبي صلى الله عليه وسلم يشربه بالماء على الريق ، وفي ذلك سر بديع في حفظ الصحةلا يدركه إلا الفطن الفاضل ، وسنذكر ذلك إن شاء الله عند ذكر هديه في حفظ الصحة .
وفي سنن ابن ماجه مرفوعاً من حديث أبيهريرة " من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر ، لم يصبه عظيم من البلاء " ،وفي أثر آخر : " عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن " فجمع بين الطبالبشري والإلهي ، وبين طب الأبدان ، وطب الأرواح ، وبين الدواء الأرضي والدواءالسمائي .
إذا عرف هذا ، فهذا الذي وصف له النبي صلى الله عليهوسلم العسل ، كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته عن امتلاء ، فأمره بشرب العسل لدفعالفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء ، فإن العسل فيه جلاء ، ودفع للفضول ،وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة ، تمنع استقرار الغذاء فيها للزوجتها ، فإن المعدةلها خمل كخمل القطيفة ، فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة ، أفسدتها وأفسدت الغذاء ،فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط ، والعسل جلاء ، والعسل من أحسن ما عولج به هذاالداء ، لا سيما إن مزج بالماء الحار .
وفي تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع ، وهو أنالدواء يجب أن يكون له مقدار ، وكمية بحسب حال الداء ، إن قصر عنه ، لم يزلهبالكلية ، وإن جاوزه . أوهى القوى ، فأحدث ضرراً آخر ، فلما أمره أن يسقيه العسل ،سقاه مقداراً لا يفي بمقاومة الداء ، ولا يبلغ الغرض ، فلما أخبره ، علم أن الذيسقاه لا يبلغ مقدار الحاجة ، فلما تكرر ترداده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أكدعليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء ، فلما تكررت الشربات بحسب مادةالداء ، برأ ، بإذن الله ، واعتبار مقادير الأدوية ، وكيفياتها ، ومقدار قوة المرضمرض من أكبر قواعد الطب .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " صدق اللهوكذب بطن أخيك " ، إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء ، وأن بقاء الداء ليسلقصور الدواء في نفسه ، ولكن لكذب البطن ، و كثرة المادة الفاسدة فيه ، فأمرهبتكرار الدواء لكثرة المادة .
وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء ، فإن طبالنبي صلى الله عليه وسلم متيقن قطعي إلهي ، صادر عن الوحي ، ومشكاة النبوة ،وكمال العقل . وطب غيره ، أكثره حدس وظنون ، وتجارب ، ولا ينكر عدم انتفاع كثير منالمرضى بطب النبوة ، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول ، واعتقاد الشفاء به ،وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان ، فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور - إنلم يتلق هذا التلقي - لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها ، بل لا يزيد المنافقينإلا رجساً إلى رجسهم ، ومرضاً إلى مرضهم ، وأين يقع طب الأبدان منه ، فطب النبوةلا يناسب إلا الأبدان الطبية ، كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطبيةوالقلوب الحية ، فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن طب الإستشفاء بالقرآن الذيهو الشفاء النافع ، وليس ذلك لقصور فى الدواء ، ولكن لخبث الطبيعة ، وفساد المحل ،وعدم قبوله ، والله الموفق .
وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض ثلاثة أنواع .. .
أحدها : بالأدوية الطبيعية .
والثاني : بالأدوية الإلهية .
والثالث : بالمركب من الأمرين .
ونحن نذكر الأنواع الثلاثة من هديه صلى الله عليهوسلم ، فنبدأ بذكر الأدوية الطبيعية التي وصفها واستعملها ، ثم نذكر الأدويةالإلهية ، ثم المركبة .
وهذا إنما نشير إليه إشارة ، فإن رسول الله صلىالله عليه وسلم إنما بعث هادياً ، وداعياً إلى الله ، وإلى جنته ، ومعرفاً بالله ،ومبيناً للأمة مواقع رضاه وآمراً لهم بها ، ومواقع سخطه وناهياً لهم عنها ،ومخبرهم أخبار الأنبياء والرسل وأحوالهم مع أممهم ،
وأخبار تخليق العالم ، وأمر المبدأ والمعاد ،وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها ، وأسباب ذلك .
وأما طب الأبدان : فجاء من تكميل شريعته ، ومقصوداًلغيره ، بحيث إنما يستعمل عند الحاجة إليه ، فإذا قدر على الإستغناء عنه، كان صرفالهمم والقوى إلى علاج القلوب والأرواح ، وحفظ صحتها ، ودفع أسقامها ، وحميتها ممايفسدها هو المقصود بالقصد الأول ، وإصلاح البدن بدون إصلاح القلب لا ينفع ، وفساد البدنمع إصلاح القلب مضرته يسيرة جداً ، وهي مضرة زائلة تعقبها المنفعة الدائمة التامة، وبالله التوفيق .
ذكر القسم الأول وهو العلاج بالأدوية الطبيعية
فصل
في هديه في علاج الحمى
ثبت في الصحيحين : عن نافع ، عن ابنعمر ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إنما الحمى أو شدة الحمى من فيحجهنم ، فأبردوها بالماء " .
وقد أشكل هذا الحديث على كثير من جهلة الأطباء ،ورأوه منافياً لدواء الحمى وعلاجها ، ونحن نبين بحول الله وقوته وجهه وفقهه ،فنقول : خطاب النبي صلى الله عليه وسلم نوعان : عام لأهل الأرض ، وخاص ببعضهم ،فالأول : كعامة خطابه ، والثاني : كقوله : " لا تستقبلوا القبلة بغائط، ولا بول ، ولا تستدبروها ، ولكن شرقوا ، أو غربوا " فهذا ليس بخطاب لأهلالمشرق والمغرب ولا العراق ، ولكن لأهل المدينة وما على سمتها ، كالشام وغيرها .وكذلك قوله : " ما بين المشرق والمغرب قبلة " .
وإذا عرف هذا ، فخطابه في هذا الحديث خاص بأهلالحجاز ، وما والاهم ، إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من نوع الحمى اليوميةالعرضية الحادثة عن شدة حرارة الشمس ، وهذه ينفعها الماء البارد شرباً واغتسالاً ،فإن الحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب ، وتنبث منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن ،فتشتعل فيه اشتعالاً يضر بالأفعال الطبيعية ، وهي تنقسم إلى قسمين : عرضية : وهيالحادثة إما عن الورم ، أو الحركة ، أو إصابة حرارة الشمس ، أو القيظ الشديد ونحوذلك .
ومرضية : وهي ثلاثة أنواع ، وهي لا تكون إلا فيمادة أولى ، ثم منها يسخن جميع البدن . فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حمى يوم ،لأنها في الغالب تزول في يوم ، ونهايتها ثلاثة أيام ، وإن كان مبدأ تعلقهابالأخلاط سميت عفنية ، وهي أربعة أصناف : صفراوية ، وسوداوية ، وبلغمية ، ودموية . وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاءالصلبة الأصلية ، سميت حمى دق ، وتحت هذه الأنواع أصناف كثيرة .
وقد ينتفع البدن بالحمى انتفاعاً عظيماً لا يبلغهالدواء ، وكثيراً ما يكون حمى يوم ، وحمى العفن سبباً لإنضاج مواد غليظة لم تكنتنضج بدونها ، وسبباً لتفتح سدد لم يكن تصل إليها الأدوية المفتحة .
وأما الرمد الحديث والمتقادم ، فإنها تبرئ أكثرأنواعه برءاً عجيباً سريعاً ، وتنفع من الفالج ، واللقوة ، والتشنج الإمتلائي ،وكثيراً من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة .
وقال لي بعض فضلاء الأطباء : إن كثيراً من الأمراضنستبشر فيها بالحمى ، كما يستبشر المريض بالعافية ، فتكون الحمى فيه أنفع من شربالدواء بكثير ، فإنها تنضج من الأخلاط والمواد الفاسدة ما يضر بالبدن ، فإذاأنضجتها صادفها الدواء متهيئة للخروج بنضاجها ، فأخرجها ، فكانت سبباً للشفاء .
وإذا عرف هذا ، فيجوز أن يكون مراد الحديث من أقسامالحميات العرضية ، فإنها تسكن على المكان بالإنغماس في الماء البارد، وسقي الماءالبارد المثلوج ، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى علاج آخر ، فإنها مجرد كيفية حارةمتعلقة بالروح ، فيكفي في زوالها مجرد وصول كيفية باردة تسكنها ، وتخمد لهبها منغير حاجة إلى استفراغ مادة ، أو انتظار نضج .
ويجوز أن يراد به جميع أنواع الحميات ، وقد اعترففاضل الأطباء جالينوس : بأن الماء البارد ينفع فيها ، قال في المقالة العاشرة منكتاب حيلة البرء : ولو أن رجلاً شاباً حسن اللحم ، خصب البدن في وقتالقيظ ، وفي وقت منتهى الحمى ، وليس في أحشائه ورم ، استحم بماء بارد أو سبح فيه ،لانتفع بذلك . قال : ونحن نأمر بذلك لا توقف .
وقال الرازي في كتابه الكبير : إذا كانت القوة قوية، والحمى ، حادة جداً ، والنضج بين ولا ورم في الجوف ، ولا فتق ، ينفع الماءالبارد شرباً ، وإن كان العليل خصب البدن والزمان حار ، وكان معتاداً لاستعمالالماء البارد من خارج ، فليؤذن فيه .
وقوله : " الحمى من فيح جهنم " ، هو شدةلهبها ، وانتشارها ، ونظيره : قوله : " شدة الحر من فيح جهنم " وفيهوجهان .
أحدهما : أن ذلك أنموذج ورقيقة اشتقت من جهنمليستدل بها العباد عليها ، ويعتبروا بها ، ثم إن الله سبحانه قدر ظهورها بأسبابتقتضيها ، كما أن الروح والفرح و السرور واللذة من نعيم الجنة أظهرها الله في هذهالدار عبرة ودلالة ، وقدر ظهورها بأسباب توجبها .
والثاني : أن يكون المراد التشبيه ، فشبه شدة الحمىولهبها بفيح جهنم ، وشبه شدة الحر به أيضاً تنبيهاً للنفوس على شدة عذاب النار ،وأن هذه الحرارة العظيمة مشبهة بفيحها ، وهو ما يصيب من قرب منها من حرها .
وقوله : فأبردوها ، روي بوجهين : بقطعالهمزة وفتحها ، رباعي : من أبرد الشئ : إذا صيره بارداً ، مثل أسخنه : إذا صيرهسخناً .
والثاني : بهمزة الوصل مضمومة من برد الشئ يبرده ،وهو أفصح لغة واستعمالاً ، والرباعي لغة رديئة عندهم قال :
إذا وجدت لهيب الحب فيكبدي أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هبني بردت ببرد الماءظاهره فمن لنار علي الأحشاء تتقد
وقوله : بالماء ، فيه قولان . أحدهما :أنه كل ماء وهو الصحيح . والثاني : أنه ماء زمزم ، واحتج أصحاب هذا القول بما رواهالبخاري في صحيحه عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي ، قال : كنت أجالسابن عباس بمكة ، فأخذتني الحمى ، فقال : أبردها عنك بماء زمزم ، فإن رسول الله صلىالله عليه وسلم قال : " إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ، أو قال: بماءزمزم " . وراوي هذا قد شك فيه ، ولو جزم به لكان أمراً لأهل مكة بماء زمزم ،إذ هو متيسر عندهم ، ولغيرهم بما عندهم من الماء .
ثم اختلف من قال : إنه على عمومه ، هل المراد بهالصدقة بالماء ، أو استعماله ؟ على قولين . والصحيح أنه استعمال ، وأظن أن الذيحمل من قال : المراد الصدقة به أنه أشكل عليه استعمال الماء البارد في الحمى ، ولميفهم وجهه مع أن لقوله وجهاً حسناً ، وهو أن الجزاء من جنس العمل ، فكما أخمد لهيب العطش عن الظمآن بالماءالبارد ، أخمد الله لهيب الحمى عنه جزاء وفاقاً ، ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديثوإشارته ، وأما المراد به فاستعماله .
وقد ذكر أبو نعيم وغيره من حديث أنس يرفعه : "إذا حم أحدكم ، فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر" .
وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة يرفعه :" الحمى كير من كير جهنم ، فنحوها عنكم بالماء البارد" .
وفي المسند وغيره ، من حديث الحسن ، عنسمرة يرفعه : " الحمى قطعة من النار ، فأبردوها عنكم بالماء البارد " ،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء ، فأفرغها على رأسهفاغتسل .
وفي السنن : من حديث أبي هريرة قال :ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسبها رجل ، فقال رسول الله صلىالله عليه وسلم : " لا تسبها فإنها تنفي الذنوب ، كما تنفي النار خبث الحديد" .
لما كانت الحمى يتبعها حمية عن الأغذية الرديئة ،وتناول الأغذية والأدوية النافعة ، وفي ذلك إعانة على تنقية البدن ، ونفي أخباثهوفضوله ، وتصفيته من مواده الرديئة ، وتفعل فيه كما تفعل النار في الحديد في نفيخبثه ، وتصفية جوهره ، كانت أشبه الأشياء بنار الكير التي تصفي جوهر الحديد ، وهذاالقدر هو المعلوم عند أطباء الأبدان .
وأما تصفيتها القلب من وسخه ودرنه ، وإخراجهاخبائثه ، فأمر يعلمه أطباء القلوب ، ويجدونه كما أخبرهم به نبيهم رسول الله صلىالله عليه وسلم ، ولكن مرض القلب إذا صار مأيوساً من برئه ، لم ينفع فيه هذاالعلاج .
فالحمى تنفع البدن والقلب ، وما كان بهذه المثابةفسبه ظلم وعدوان ، وذكرت مرة وأنا محموم قول بعض الشعراء يسبها :
زارت مكفرة الذنــوبوودعــت تبــاً لهــا مــن زائــر ومودع
قالت وقد عزمت علىترحالها ماذا تريد فقلت أن لا ترجعي
فقلت : تباً له إذ سب ما نهى رسول الله صلى اللهعليه وسلم عن سبه ، ولو قال :
زارت مكفــــرة الذنوب لصبهــا أهلاً بهـــا مــــن زائر ومودع
قالت وقد عزمت علىترحالها ماذا تريد فقلت : أن لا تقلعي
لكان أولى به ، ولأقلعت عنه ، فأقلعت عني سريعاً .وقد روي في أثر لا أعرف حاله حمى يوم كفارة سنة ، وفيه قولان أحدهما :أن الحمى تدخل في كل الأعضاء والمفاصل ، وعدتها ثلاثمائة وستون مفصلاً ، فتكفر عنه- بعدد كل مفصل - ذنوب يوم. والثاني : أنها تؤثر في البدن تأثيراً لا يزول بالكليةإلى سنة ، كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم : " من شرب الخمر لم تقبل لهصلاة أربعين يوماً " : إن أثر الخمر يبقى في جوف العبد ، وعروقه ، وأعضائهأربعين يوماً والله أعلم .
قال أبو هريرة : ما من مرض يصيبني أحب إلي من الحمى، لأنها تدخل في كل عضو مني ، وإن الله سبحانه يعطي كل عضو حظه من الأجر .
وقد روى الترمذي في جامعه من حديث رافعبن خديج يرفعه : " إذا أصابت أحدكم الحمى - وإن الحمى قطعة من النار -فليطفئها بالماء البارد ويستقبل نهراً جارياً ، فليستقبل جرية الماء بعد الفجروقبل طلوع الشمس ، وليقل : بسم الله اللهم اشف عبدك ، وصدق رسولك ، وينغمس فيهثلاث غمسات ثلاثة أيام ، فان برئ ، والإ ففى خمس ، فإن لم يبرأ في خمس ، فسبع ،فإن لم يبرأ في سبع فتسع ، فإنها لا تكاد تجاوز تسعاً بإذن الله" .
قلت : وهو ينفع فعله في فصل الصيف في البلاد الحارةعلى الشرائط التي تقدمت ، فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاةالشمس ، ووفور القوى في ذلك الوقت لما أفادها النوم ، والسكون ، وبرد الهواء ، فتجتمعفيه قوة القوى ، وقوة الدواء ، وهو الماء البارد على حرارة الحمى العرضية ، أو الغب الخالصة ، أعنيالتي لا ورم معها ، ولا شئ من الأعراض الرديئة والمواد الفاسدة ، فيطفئها بإذنالله ، لا سيما في أحد الأيام المذكورة في الحديث ، وهي الأيام التي يقع فيهابحران الأمراض الحادة كثيراً ، سيما في البلاد المذكورة لرقة أخلاط سكانها ، وسرعةانفعالهم عن الدواء النافع .
***
فصل
في هديه في علاج استطلاقالبطن
في الصحيحين : من حديث أبي المتوكل ،عن أبي سعيد الخدري ، " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن أخييشتكي بطنه : وفي رواية : استطلق بطنه ، فقال : اسقه عسلاً ، فذهب ثمرجع ، فقال : قد سقيته ، فلم يغن عنه شيئاً. وفي لفظ : فلم يزده إلا استطلاقاًمرتين أو ثلاثاً ، كل ذلك يقول له : اسقه عسلاً ، فقال له في الثالثةأو الرابعة : صدق الله ، وكذب بطن أخيك " .
وفي صحيح مسلم في لفظ له : " إنأخي عرب بطنه " ، أي فسد هضمه ، واعتلت معدته ، والاسم العرب بفتح الراء ،والذرب أيضاً .
والعسل فيه منافع عظيمة ، فإنه جلاء للأوساخ التيفي العروق والأمعاء وغيرها ، محلل للرطوبات أكلاً وطلاءً ، نافع للمشايخ وأصحابالبلغم ، ومن كان مزاجه بارداً رطباً ، وهو مغذ ملين للطبيعة ، حافظ لقوى المعاجينولما استودع فيه ، مذهب لكيفيات الأدوية الكريهة ، منق للكبد والصدر ، مدر للبول ،موافق للسعال الكائن عن البلغم ، وإذا شرب حاراً بدهن الورد ، نفع من نهش
الهوام وشرب الأفيون ، وإن شرب وحده ممزوجاً بماءنفع من عضة الكلب الكلب ، وأكل الفطر القتال ، وإذا جعل فيه اللحم الطري ، حفظطراوته ثلاثة أشهر ، وكذلك إن جعل فيه القثاء ، والخيار ، والقرع ، والباذنجان ،ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر ، ويحفظ جثة الموتى ، ويسمى الحافظ الأمين .وإذا لطخ به البدن المقمل والشعر ، قتل قمله وصئبانه ، وطول الشعر ، وحسنه ، ونعمه، وإن اكتحل به ، جلا ظلمة البصر ، وإن استن به ، بيض الأسنان وصقلها ، وحفظ صحتها، وصحة اللثة ، ويفتح أفواه العروق ، ويدر الطمث ، ولعقه على الريق يذهب البلغم ،ويغسل خمل المعدة ، ويدفع الفضلات عنها ، ويسخنها تسخيناً معتدلاً ، ويفتح سددها ،ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة ، وهو أقل ضرراً لسدد الكبد والطحال من كل حلو .
وهو مع هذا كله مأمون الغائلة ، قليل المضار ، مضربالعرض للصفراويين ، ودفعها بالخل ونحوه ، فيعود حينئذ نافعاً له جداً .
وهو غذاء مع الأغذية ، ودواء مع الأدوية ، وشراب معالأشربة ، وحلو مع الحلوى ، وطلاء مع الأطلية ، ومفرح مع المفرحات ، فما خلق لناشئ فى في معناه أفضل منه ، ولا مثله ، ولا قريباً منه ، ولم يكن معول القدماء إلاعليه ، وأكثر كتب القدماء لا ذكر فيها للسكر البتة ، ولا يعرفونه ، فإنه حديث العهد حدث قريباً ، وكانالنبي صلى الله عليه وسلم يشربه بالماء على الريق ، وفي ذلك سر بديع في حفظ الصحةلا يدركه إلا الفطن الفاضل ، وسنذكر ذلك إن شاء الله عند ذكر هديه في حفظ الصحة .
وفي سنن ابن ماجه مرفوعاً من حديث أبيهريرة " من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر ، لم يصبه عظيم من البلاء " ،وفي أثر آخر : " عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن " فجمع بين الطبالبشري والإلهي ، وبين طب الأبدان ، وطب الأرواح ، وبين الدواء الأرضي والدواءالسمائي .
إذا عرف هذا ، فهذا الذي وصف له النبي صلى الله عليهوسلم العسل ، كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته عن امتلاء ، فأمره بشرب العسل لدفعالفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء ، فإن العسل فيه جلاء ، ودفع للفضول ،وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة ، تمنع استقرار الغذاء فيها للزوجتها ، فإن المعدةلها خمل كخمل القطيفة ، فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة ، أفسدتها وأفسدت الغذاء ،فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط ، والعسل جلاء ، والعسل من أحسن ما عولج به هذاالداء ، لا سيما إن مزج بالماء الحار .
وفي تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع ، وهو أنالدواء يجب أن يكون له مقدار ، وكمية بحسب حال الداء ، إن قصر عنه ، لم يزلهبالكلية ، وإن جاوزه . أوهى القوى ، فأحدث ضرراً آخر ، فلما أمره أن يسقيه العسل ،سقاه مقداراً لا يفي بمقاومة الداء ، ولا يبلغ الغرض ، فلما أخبره ، علم أن الذيسقاه لا يبلغ مقدار الحاجة ، فلما تكرر ترداده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أكدعليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء ، فلما تكررت الشربات بحسب مادةالداء ، برأ ، بإذن الله ، واعتبار مقادير الأدوية ، وكيفياتها ، ومقدار قوة المرضمرض من أكبر قواعد الطب .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " صدق اللهوكذب بطن أخيك " ، إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء ، وأن بقاء الداء ليسلقصور الدواء في نفسه ، ولكن لكذب البطن ، و كثرة المادة الفاسدة فيه ، فأمرهبتكرار الدواء لكثرة المادة .
وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء ، فإن طبالنبي صلى الله عليه وسلم متيقن قطعي إلهي ، صادر عن الوحي ، ومشكاة النبوة ،وكمال العقل . وطب غيره ، أكثره حدس وظنون ، وتجارب ، ولا ينكر عدم انتفاع كثير منالمرضى بطب النبوة ، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول ، واعتقاد الشفاء به ،وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان ، فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور - إنلم يتلق هذا التلقي - لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها ، بل لا يزيد المنافقينإلا رجساً إلى رجسهم ، ومرضاً إلى مرضهم ، وأين يقع طب الأبدان منه ، فطب النبوةلا يناسب إلا الأبدان الطبية ، كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطبيةوالقلوب الحية ، فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن طب الإستشفاء بالقرآن الذيهو الشفاء النافع ، وليس ذلك لقصور فى الدواء ، ولكن لخبث الطبيعة ، وفساد المحل ،وعدم قبوله ، والله الموفق .
مواضيع مماثلة
» الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول
» الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول2
» الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول4
» الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول5
» الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول6
» الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول2
» الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول4
» الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول5
» الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول6
وأذا مرضت فهو يشفين :: الفئة الأولى :: العلاج بالقرأن الكريم :: علاج السحر واللبس والمس بالقرأن الكريم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين مارس 16, 2015 7:49 pm من طرف خالد براهمه
» علاج السرطان بالأعشاب خلال اربعة اسابيع
الإثنين مارس 16, 2015 7:35 pm من طرف خالد براهمه
» الفستق مقوى جنسي نسبة 51%
الخميس نوفمبر 28, 2013 7:37 pm من طرف خالد براهمه
» اسماء الأعشاب
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:35 am من طرف حسين العنوز
» آيات الشفاء في القرآن
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:30 am من طرف حسين العنوز
» اضطرابات الغدة الدرقية وعلاجها
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:29 am من طرف حسين العنوز
» رقية للعقـم والإســـقاط
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:28 am من طرف حسين العنوز
» مرضى السكري
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:27 am من طرف حسين العنوز
» اظفـــــــار،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:27 am من طرف حسين العنوز