بحـث
المواضيع الأخيرة
مايو 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | ||
6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 |
13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 |
20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 |
27 | 28 | 29 | 30 | 31 |
دخول
الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول2
وأذا مرضت فهو يشفين :: الفئة الأولى :: العلاج بالقرأن الكريم :: علاج السحر واللبس والمس بالقرأن الكريم
صفحة 1 من اصل 1
الطــــب النبــوي من كتـاب زاد المعـاد الجـزء الأول2
فصل
روى مسلم في صحيحه : من حديث أبىالزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : "لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء ، برأ بإذن الله عز وجل " .
وفي الصحيحين : عن عطاء ، عن أبي هريرةقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنزل الله من داء إلا أنزل لهشفاء " .
وفي مسند الإمام أحمد : من حديث زياد بنعلاقة ، عن أسامة بن شريك ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاءتالأعراب ، فقالوا : يا رسول الله ! أنتداوى ؟ فقال : " نعم يا عباد اللهتداووا ، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد ، قالوا: ما هو ؟ قال : الهرم " .
وفي لفظ : " إن الله لم ينزل داء إلا أنزل لهشفاء ، علمه من علمه وجهله من جهله " .
وفي المسند : من حديث ابن مسعود يرفعه: " إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه ، وجهله منجهله " وفي المسند و السنن : عن أبي خزامة ، قال :قلت : يا رسول الله ! أرأيت رقى نسترقيها ، ودواء نتداوى به ، وتقاة نتقيها ، هلترد من قدر الله شيئاً ؟ فقال : " هي من قدر الله " .
فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات ،وإبطال قول من أنكرها ، ويجوز أن يكون قوله : " لكل داء دواء " ، علىعمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة ، والأدواء التي لا يمكن لطبيب أن يبرئها ،ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تبرئها ، ولكن طوى علمها عن البشر ، ولم يجعللهم إليه سبيلاً ، لأنه لا علم للخلق إلا ما علمهم الله ، ولهذا علق النبي صلىالله عليه وسلم الشفاء على مصادفة الدواء للداء ، فإنه لا شئ من المخلوقات إلا لهضد ، وكل داء له ضد من الدواء يعالج بضده ، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم البرءبموافقة الداء للدواء ، وهذا قدر زائد على مجرد وجوده ، فإن الدواء متى جاوز درجةالداء في الكيفية، أو زاد في الكمية على ما ينبغي ، نقله إلى داء آخر ، ومتى قصرعنها لم يف بمقاومته ، وكان العلاج قاصراً ، ومتى لم يقع المداوي على الدواء ، أولم يقع الدواء على الداء ، لم يحصل الشفاء ، ومتى لم يكن الزمان صالحاً لذلكالدواء ، لم ينفع ، ومتى كان البدن غير قابل له ، أو القوة عاجزة عن حمله ، أو ثممانع يمنع من تأثيره ، لم يحصل البرء لعدم المصادفة ، ومتى تمت المصادفة حصل البرءبإذن الله ولا بد ، وهذا أحسن المحملين في الحديث .
والثاني : أن يكون من العام المراد به الخاص ، لاسيما والداخل في اللفظ أضعاف أضعاف الخارج منه ، وهذا يستعمل في كل لسان ، ويكونالمراد أن الله لم يضع داء يقبل الدواء إلا وضع له دواء ، فلا يدخل في هذا الأدواءالتي لا تقبل الدواء ، وهذا كقوله تعالى في الريح التي سلطها على قوم عاد : "تدمر كل شيء بأمر ربها " [ الأحقاف : 25 ] أي كل شئ يقبل التدمير ، ومن شأنالريح أن تدمره ، ونظائره كثيرة .
ومن تأمل خلق الأضداد في هذا العالم ، ومقاومةبعضها لبعض ، ودفع بعضها ببعض ، وتسليط بعضها على بعض ، تبين له كمال قدرة الربتعالى ، وحكمته ، وإتقانه ما صنعه ، وتفرده بالربوبية ، والوحدانية ، والقهر ، وأنكل ما سواه فله ما يضاده ويمانعه ، كما أنه الغني بذاته ، وكل ما سواه محتاجبذاته .
وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي ، وأنه لاينافي التوكل ، كما لا ينافيه دفع داء الجوع ، والعطش ، والحر ، والبرد بأضدادها ،بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتهاقدراً وشرعاً ، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل ، كما يقدح في الأمر والحكمة ،ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل ، فإن تركها عجزاً ينافي التوكلالذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفعما يضره في دينه ودنياه ، ولا بد مع هذا الإعتماد من مباشرة الأسباب ، وإلا كانمعطلاً للحكمة والشرع ، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ، ولا توكله عجزاً .
وفيها رد على من أنكر التداوي ، وقال : إن كانالشفاء قد قدر ، فالتداوي لا يفيد ، وإن لم يكن قد قدر ، فكذلك . وأيضاً ، فإنالمرض حصل بقدر الله ، وقدر الله لا يدفع ولا يرد ، وهذا السؤال هو الذي أوردهالأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما أفاضل الصحابة ، فأعلم باللهوحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا ، وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بماشفى وكفى ، فقال : هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله ، فما خرج شئ عن قدره، بل يرد قدره بقدره ، وهذا الرد من قدره ، فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما ،وهذا كرد قدر الجوع ، والعطش والحر ، والبرد بأضدادها ، وكرد قدر العدو بالجهادوكل من قدر الله : الدافع ، والمدفوع والدفع .
ويقال لمورد هذا السؤال : هذا يوجب عليك أن لاتباشر سبباً من الأسباب التي تجلب بها منفعة ، أو تدفع بها مضرة ، لأن المنفعةوالمضرة إن قدرتا ، لم يكن بد من وقوعهما ، وإن لم تقدرا لم يكن سبيل إلى وقوعهما، وفي ذلك خراب الدين والدنيا ، وفساد العالم ، وهذا لا يقوله إلا دافع للحق ،معاند له ، فيذكر القدر ليدفع حجة المحق عليه ، كالمشركين الذين قالوا : " لوشاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا " [ الأنعام : 148 ] ، و " لو شاء اللهما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا " [ النحل : 35 ] ، فهذا قالوه دفعاًلحجة الله عليهم بالرسل .
وجواب هذا السائل أن يقال : بقي قسم ثالث لم تذكره، هو أن الله قدر كذا وكذا بهذا السبب ، فإن أتيت بالسبب حصل المسبب ، وإلا فلا ،فإن قال : إن كان قدر لي السبب ، فعلته ، وإن لم يقدره لي لم أتمكن من فعله .
قيل : فهل تقبل هذا الإحتجاج من عبدك ، وولدك ،وأجيرك إذا احتج به عليك فيما أمرته به ، ونهيته عنه فخالفك ؟ فإن قبلته ، فلا تلممن عصاك ، وأخذ مالك ، وقذف عرضك ، وضيع حقوقك ، وإن لم تقبله ، فكيف يكون مقبولاًمنك في دفع حقوق الله عليك. وقد روي في أثر إسرائيلي : أن إبراهيم الخليل قال : يارب ممن الداء ؟ قال : مني . قال : فممن الدواء ؟ قال : مني. قال : فما بال الطبيب ؟ . قال : رجل أرسل الدواء على يديه .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " لكل داءدواء" ، تقوية لنفس المريض والطبيب ، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه ،فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله ، تعلق قلبه بروح الرجاء ، وبردتعنده حرارة اليأس ، وانفتح له باب الرجاء ، ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية، وكان ذلك سببها لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية ، ومتى قويت هذهالأرواح ، قويت القوى التي هي حاملة لها ، فقهرت المرض ودفعته .
وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنهطلبه والتفتيش عليه . وأمراض الأبدان على وزان أمراض القلوب ، وما جعل الله للقلبمرضاً إلا جعل له شفاء بضده ، فإن علمه صاحب الداء واستعمله ، وصادف داء قلبه ،أبرأه بإذن الله تعالى .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في الإحتماء من التخم ،والزيادة في الأكل على قدر الحاجة ، والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشرب
في المسند وغيره : عنه صلى الله عليهوسلم أنه قال : " ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن ، بحسب ابن آدم لقيماتيقمن صلبه ، فإن كان لا بد فاعلاً ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه" .
الأمراض نوعان : أمراض مادية تكون عن زيادة مادةأفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية ، وهي الأمراض الأكثرية ، وسببها إدخالالطعام على البدن قبل هضم الأول ، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن ،وتناول الأغذية القليلة النفع ، البطيئة الهضم ، والإكثار من الأغذية المختلفةالتراكيب المتنوعة ، فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية ، واعتاد ذلك ، أورثتهأمراضاً متنوعة ، منها بطيء الزوال وسريعه ، فإذا توسط في الغذاء ، وتناول منه قدرالحاجة ، وكان معتدلاً في كميته وكيفيته، كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاءالكثير .
ومراتب الغذاء ثلاثة : أحدها : مرتبة الحاجة .والثانية : مرتبة الكفاية . والثالثة : مرتبة الفضلة . فأخبر النبي صلى الله عليهوسلم : أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه ، فلا تسقط قوته ، ولا تضف معها ، فإن تجاوزها، فليأكل في ثلث بطنه ، ويدع الثلث الآخر للماء ، والثالث للنفس ، وهذا من أنفع ماللبدن والقلب ، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب ، فإذا ورد عليهالشراب ضاق عن النفس ، وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل ، هذاإلى ما يلزم ذلك من فساد القلب ، وكسل الجوارح عن الطاعات ، وتحركها في الشهواتالتي يستلزمها الشبع . فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن .
هذا إذا كان دائماً أو أكثرياً . وأما إذا كان فيالأحيان ، فلا بأس به ، فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم مناللبن ، حتى قال : والذي بعثك بالحق ، لا أجد له مسلكاً . وأكل الصحابة بحضرتهمراراً حتى شبعوا .
والشبع المفرط يضعف القوى والبدن ، وإن أخصبه ،وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء ، لا بحسب كثرته .
ولما كان في الإنسان جزء أرضي ، وجزء هوائي ، وجزءمائي ، قسم النبي صلى الله عليه وسلم طعامه وشرابه ونفسه على الأجزاء الثلاثة .
فإن قيل : فأين حظ الجزء الناري ؟
قيل : هذه مسألة تكلم فيها الأطباء ، وقالوا : إنفي البدن جزءاً نارياً بالفعل ، وهو أحد أركانه واسطقساته .
ونازعهم في ذلك آخرون من العقلاء من الأطباء وغيرهم، وقالوا : ليس في البدن جزء ناري بالفعل ، واستدلوا بوجوه :
أحدها : أن ذلك الجزء الناري إما أن يدعى أنه نزلعن الأثير ، واختلط بهذه الأجزاء المائية والأرضية ، أو يقال : إنه تولد فيهاوتكون ، والأول مستبعد لوجهين ، أحدهما : أن النار بالطبع صاعدة ، فلو نزلت ،لكانت بقاسر من مركزها إلى هذا العالم . الثاني : أن تلك الأجزاء النارية لا بد فينزولها أن تعبر على كرة الزمهرير التي هي في غاية البرد ، ونحن نشاهد في هذاالعالم أن النار العظيمة تنطفئ بالماء القليل ، فتلك الأجزاء الصغيرة عند مرورهابكرة الزمهرير التي هي في غاية البرد ، ونهاية العظم أولى بالانطفاء .
وأما الثاني : - وهو أن يقال : إنها تكونت ها هنا -فهو أبعد وأبعد ، لأن الجسم الذي صار ناراً بعد أن لم يكن كذلك ، قد كان قبلصيرورته إما أرضاً ، وإما ماء ، وإما هواء لانحصار الأركان في هذه الأربعة ، وهذاالذي قد صار ناراً أولاً ، كان مختلطاً بأحد هذه الأجسام ، ومتصلاً بها ، والجسمالذي لا يكون ناراً إذا اختلط بأجسام عظيمة ليست بنار ولا واحد منها ، لا يكونمستعداً لأن ينقلب ناراً لأنه في نفسه ليس بنار ، والأجسام المختلطة باردة ، فكيفيكون مستعداً لانقلابه ناراً ؟
فإن قلتم : لم لا تكون هناك أجزاء نارية تقلب هذهالأجسام ، وتجعلها ناراً بسبب مخالطتها إياها ؟
قلنا : الكلام في حصول تلك الأجزاء النارية كالكلامفي الأول ، فإن قلتم : إنا نرى من رش الماء على النورة المطفأة تنفصل منها نار ،وإذا وقع شعاع الشمس على البلورة ، ظهرت النار منها ، وإذا ضربنا الحجر على الحديد، ظهرت النار ، وكل هذه النارية حدثت عند الإختلاط ، وذلك يبطل ما قررتموه فيالقسم الأول أيضاً .
قال المنكرون : نحن لا ننكر أن تكون المصاكةالشديدة محدثة للنار ، كما في ضرب الحجارة على الحديد ، أو تكون قوة تسخين الشمسمحدثة للنار ، كما في البلورة ، لكنا نستبعد ذلك جداً في أجرام النبات والحيوان ،إذ ليس في أجرامها من الإصطكاك ما يوجب حدوث النار ، ولا فيها من الصفاء والصقالما يبلغ إلى حد البلورة ، كيف وشعاع الشمس يقع على ظاهرها ، فلا تتولد النار
البتة ، فالشعاع الذي يصل إلى باطنها كيف يولدالنار ؟
الوجه الثاني : في أصل المسألة : أن الأطباء مجمعونعلى أن الشراب العتيق في غاية السخونة بالطبع ، فلو كانت تلك السخونة بسبب الأجزاءالنارية ، لكانت محالاً إذ تلك الأجزاء النارية مع حقارتها كيف يعقل بقاؤها فيالأجزاء المائية الغالبة دهراً طويلاً ، بحيث لا تنطفئ مع أنا نرى النار العظيمةتطفأ بالماء القليل .
الوجه الثالث : أنه لو كان في الحيوان والنبات جزءناري بالفعل ، لكان مغلوباً بالجزء المائي الذي فيه ، وكان الجزء الناري مقهوراًبه ، وغلبة بعض الطبائع والعناصر على بعض يقتضي انقلاب طبيعة المغلوب إلى طبيعةالغالب ، فكان يلزم بالضرورة انقلاب تلك الأجزاء النارية القليلة جداً إلى طبيعةالماء الذي هو ضد النار
الوجه الرابع : أن الله سبحانه وتعالى ذكر خلقالإنسان في كتابه في مواضع متعددة ، يخبر في بعضها أنه خلقه من ماء ، وفي بعضهاأنه خلقه من تراب ، وفي بعضها أنه خلقه من المركب منهما وهو الطين ، وفي بعضها أنهخلقه من صلصال كالفخار ، وهو الطين الذي ضربته الشمس والريح حتى صار صلصالاًكالفخار ، ولم يخبر في موضع واحد أنه خلقه من نار ، بل جعل ذلك خاصية إبليس . وثبتفي صحيح مسلم : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلقت الملائكةمن نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " ، وهذا صريح فيأنه خلق مما وصفه الله في كتابه فقط ، ولم يصف لنا سبحانه أنه خلقه من نار ، ولاأن في مادته شيئاً من النار .
الوجه الخامس : أن غاية ما يستدلون به ما يشاهدونمن الحرارة في أبدان الحيوان ، وهي دليل على الأجزاء النارية ، وهذا لا يدل ، فإنأسباب الحرارة أعم من النار ، فإنها تكون عن النار تارة ، وعن الحركة أخرى ، وعنانعكاس الأشعة ، وعن سخونة الهواء ، وعن مجاورة النار ، وذلك بواسطة سخونة الهواءأيضاً ، وتكون عن أسباب أخر ، فلا يلزم من الحرارة النار .
قال أصحاب النار : من المعلوم أن التراب والماء إذااختلطا فلا بد لهما من حرارة تقتضي طبخهما وامتزاجهما ، وإلا كان كل منهما غيرممازج للآخر ، ولا متحداً به ، وكذلك إذا ألقينا البذر في الطين بحيث لا يصل إليهالهواء ولا الشمس فسد ، فلا يخلو ، إما أن يحصل في المركب جسم منضج طابخ بالطبع أولا ، فإن حصل ، فهو الجزء الناري ، وإن لم يحصل ، لم يكن المركب مسخناً بطبعه ، بل إن سخن كان التسخين عرضياً ، فإذا زال التسخين العرضي ، لم يكن الشيءحاراً في طبعه ، ولا في كيفيته ، وكان بارداً مطلقاً ، لكن من الأغذية والأدوية مايكون حاراً بالطبع ، فعلمنا أن حرارتها إنما كانت ، لأن فيها جوهراً نارياً .
وأيضاً فلو لم يكن في البدن جزء مسخن لوجب أن يكونفي نهاية البرد ، لأن الطبيعة إذا كانت مقتضية للبرد ، وكانت خالية عن المعاونوالمعارض ، وجب انتهاء البرد إلى أقصى الغاية ، ولو كان كذلك لما حصل لها الإحساسبالبرد ، لأن البرد الواصل إليه إذا كان في الغاية كان مثله ، والشئ لا ينفعل عنمثله ، وإذا لم ينفعل عنه لم يحس به ، وإذا لم يحس به لم يتألم عنه ، وإن كان دونهفعدم الإنفعال يكون أولى ، فلو لم يكن في البدن جزء مسخن بالطبع لما انفعل عنالبرد ، ولا تألم به . قالوا : وأدلتكم إنما تبطل قول من يقول : الأجزاء الناريةباقية في هذه المركبات على حالها ، وطبيعتها النارية ، ونحن لا نقول بذلك ، بلنقول : إن صورتها النوعية تفسد عند الإمتزاج .
قال الآخرون : لم لا يجوز أن يقال : إن الأرضوالماء والهواء إذا اختلطت ، فالحرارة المنضجة الطابخة لها هي حرارة الشمس وسائرالكواكب ، ثم ذلك المركب عند كمال نضجه مستعد لقبول الهيئة التركيبية بواسطةالسخونة نباتاً كان أو حيواناً أو معدناً ، وما المانع أن تلك السخونة والحرارةالتي في المركبات هي بسبب خواص وقوى يحدثها الله تعالى عند ذلك الإمتزاج لا منأجزاء نارية بالفعل ؟ ولا سبيل لكم إلى إبطال هذا الإمكان البتة ، وقد اعترف جماعةمن فضلاء الأطباء بذلك .
وأما حديث إحساس البدن بالبرد ، فنقول : هذا يدلعلى أن في البدن حرارة وتسخيناً ، ومن ينكر ذلك ؟ لكن ما الدليل على انحصار المسخنفي النار ، فإنه وإن كان كل نار مسخناً ، فإن هذه القضية لا تنعكس كلية ، بل عكسهاالصادق بعض المسخن نار .
وأما قولكم بفساد صورة النار النوعية ، فأكثرالأطباء على بقاء صورتها النوعية ، والقول بفسادها قول فاسد قد اعترف بفساده أفضلمتأخريكم في كتابه المسمى بالشفا ، وبرهن على بقاء الأركان أجمع على طبائعها فيالمركبات . وبالله التوفيق .
روى مسلم في صحيحه : من حديث أبىالزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : "لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء ، برأ بإذن الله عز وجل " .
وفي الصحيحين : عن عطاء ، عن أبي هريرةقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنزل الله من داء إلا أنزل لهشفاء " .
وفي مسند الإمام أحمد : من حديث زياد بنعلاقة ، عن أسامة بن شريك ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاءتالأعراب ، فقالوا : يا رسول الله ! أنتداوى ؟ فقال : " نعم يا عباد اللهتداووا ، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد ، قالوا: ما هو ؟ قال : الهرم " .
وفي لفظ : " إن الله لم ينزل داء إلا أنزل لهشفاء ، علمه من علمه وجهله من جهله " .
وفي المسند : من حديث ابن مسعود يرفعه: " إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه ، وجهله منجهله " وفي المسند و السنن : عن أبي خزامة ، قال :قلت : يا رسول الله ! أرأيت رقى نسترقيها ، ودواء نتداوى به ، وتقاة نتقيها ، هلترد من قدر الله شيئاً ؟ فقال : " هي من قدر الله " .
فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات ،وإبطال قول من أنكرها ، ويجوز أن يكون قوله : " لكل داء دواء " ، علىعمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة ، والأدواء التي لا يمكن لطبيب أن يبرئها ،ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تبرئها ، ولكن طوى علمها عن البشر ، ولم يجعللهم إليه سبيلاً ، لأنه لا علم للخلق إلا ما علمهم الله ، ولهذا علق النبي صلىالله عليه وسلم الشفاء على مصادفة الدواء للداء ، فإنه لا شئ من المخلوقات إلا لهضد ، وكل داء له ضد من الدواء يعالج بضده ، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم البرءبموافقة الداء للدواء ، وهذا قدر زائد على مجرد وجوده ، فإن الدواء متى جاوز درجةالداء في الكيفية، أو زاد في الكمية على ما ينبغي ، نقله إلى داء آخر ، ومتى قصرعنها لم يف بمقاومته ، وكان العلاج قاصراً ، ومتى لم يقع المداوي على الدواء ، أولم يقع الدواء على الداء ، لم يحصل الشفاء ، ومتى لم يكن الزمان صالحاً لذلكالدواء ، لم ينفع ، ومتى كان البدن غير قابل له ، أو القوة عاجزة عن حمله ، أو ثممانع يمنع من تأثيره ، لم يحصل البرء لعدم المصادفة ، ومتى تمت المصادفة حصل البرءبإذن الله ولا بد ، وهذا أحسن المحملين في الحديث .
والثاني : أن يكون من العام المراد به الخاص ، لاسيما والداخل في اللفظ أضعاف أضعاف الخارج منه ، وهذا يستعمل في كل لسان ، ويكونالمراد أن الله لم يضع داء يقبل الدواء إلا وضع له دواء ، فلا يدخل في هذا الأدواءالتي لا تقبل الدواء ، وهذا كقوله تعالى في الريح التي سلطها على قوم عاد : "تدمر كل شيء بأمر ربها " [ الأحقاف : 25 ] أي كل شئ يقبل التدمير ، ومن شأنالريح أن تدمره ، ونظائره كثيرة .
ومن تأمل خلق الأضداد في هذا العالم ، ومقاومةبعضها لبعض ، ودفع بعضها ببعض ، وتسليط بعضها على بعض ، تبين له كمال قدرة الربتعالى ، وحكمته ، وإتقانه ما صنعه ، وتفرده بالربوبية ، والوحدانية ، والقهر ، وأنكل ما سواه فله ما يضاده ويمانعه ، كما أنه الغني بذاته ، وكل ما سواه محتاجبذاته .
وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي ، وأنه لاينافي التوكل ، كما لا ينافيه دفع داء الجوع ، والعطش ، والحر ، والبرد بأضدادها ،بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتهاقدراً وشرعاً ، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل ، كما يقدح في الأمر والحكمة ،ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل ، فإن تركها عجزاً ينافي التوكلالذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفعما يضره في دينه ودنياه ، ولا بد مع هذا الإعتماد من مباشرة الأسباب ، وإلا كانمعطلاً للحكمة والشرع ، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ، ولا توكله عجزاً .
وفيها رد على من أنكر التداوي ، وقال : إن كانالشفاء قد قدر ، فالتداوي لا يفيد ، وإن لم يكن قد قدر ، فكذلك . وأيضاً ، فإنالمرض حصل بقدر الله ، وقدر الله لا يدفع ولا يرد ، وهذا السؤال هو الذي أوردهالأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما أفاضل الصحابة ، فأعلم باللهوحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا ، وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بماشفى وكفى ، فقال : هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله ، فما خرج شئ عن قدره، بل يرد قدره بقدره ، وهذا الرد من قدره ، فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما ،وهذا كرد قدر الجوع ، والعطش والحر ، والبرد بأضدادها ، وكرد قدر العدو بالجهادوكل من قدر الله : الدافع ، والمدفوع والدفع .
ويقال لمورد هذا السؤال : هذا يوجب عليك أن لاتباشر سبباً من الأسباب التي تجلب بها منفعة ، أو تدفع بها مضرة ، لأن المنفعةوالمضرة إن قدرتا ، لم يكن بد من وقوعهما ، وإن لم تقدرا لم يكن سبيل إلى وقوعهما، وفي ذلك خراب الدين والدنيا ، وفساد العالم ، وهذا لا يقوله إلا دافع للحق ،معاند له ، فيذكر القدر ليدفع حجة المحق عليه ، كالمشركين الذين قالوا : " لوشاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا " [ الأنعام : 148 ] ، و " لو شاء اللهما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا " [ النحل : 35 ] ، فهذا قالوه دفعاًلحجة الله عليهم بالرسل .
وجواب هذا السائل أن يقال : بقي قسم ثالث لم تذكره، هو أن الله قدر كذا وكذا بهذا السبب ، فإن أتيت بالسبب حصل المسبب ، وإلا فلا ،فإن قال : إن كان قدر لي السبب ، فعلته ، وإن لم يقدره لي لم أتمكن من فعله .
قيل : فهل تقبل هذا الإحتجاج من عبدك ، وولدك ،وأجيرك إذا احتج به عليك فيما أمرته به ، ونهيته عنه فخالفك ؟ فإن قبلته ، فلا تلممن عصاك ، وأخذ مالك ، وقذف عرضك ، وضيع حقوقك ، وإن لم تقبله ، فكيف يكون مقبولاًمنك في دفع حقوق الله عليك. وقد روي في أثر إسرائيلي : أن إبراهيم الخليل قال : يارب ممن الداء ؟ قال : مني . قال : فممن الدواء ؟ قال : مني. قال : فما بال الطبيب ؟ . قال : رجل أرسل الدواء على يديه .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " لكل داءدواء" ، تقوية لنفس المريض والطبيب ، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه ،فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله ، تعلق قلبه بروح الرجاء ، وبردتعنده حرارة اليأس ، وانفتح له باب الرجاء ، ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية، وكان ذلك سببها لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية ، ومتى قويت هذهالأرواح ، قويت القوى التي هي حاملة لها ، فقهرت المرض ودفعته .
وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنهطلبه والتفتيش عليه . وأمراض الأبدان على وزان أمراض القلوب ، وما جعل الله للقلبمرضاً إلا جعل له شفاء بضده ، فإن علمه صاحب الداء واستعمله ، وصادف داء قلبه ،أبرأه بإذن الله تعالى .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في الإحتماء من التخم ،والزيادة في الأكل على قدر الحاجة ، والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشرب
في المسند وغيره : عنه صلى الله عليهوسلم أنه قال : " ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن ، بحسب ابن آدم لقيماتيقمن صلبه ، فإن كان لا بد فاعلاً ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه" .
الأمراض نوعان : أمراض مادية تكون عن زيادة مادةأفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية ، وهي الأمراض الأكثرية ، وسببها إدخالالطعام على البدن قبل هضم الأول ، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن ،وتناول الأغذية القليلة النفع ، البطيئة الهضم ، والإكثار من الأغذية المختلفةالتراكيب المتنوعة ، فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية ، واعتاد ذلك ، أورثتهأمراضاً متنوعة ، منها بطيء الزوال وسريعه ، فإذا توسط في الغذاء ، وتناول منه قدرالحاجة ، وكان معتدلاً في كميته وكيفيته، كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاءالكثير .
ومراتب الغذاء ثلاثة : أحدها : مرتبة الحاجة .والثانية : مرتبة الكفاية . والثالثة : مرتبة الفضلة . فأخبر النبي صلى الله عليهوسلم : أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه ، فلا تسقط قوته ، ولا تضف معها ، فإن تجاوزها، فليأكل في ثلث بطنه ، ويدع الثلث الآخر للماء ، والثالث للنفس ، وهذا من أنفع ماللبدن والقلب ، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب ، فإذا ورد عليهالشراب ضاق عن النفس ، وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل ، هذاإلى ما يلزم ذلك من فساد القلب ، وكسل الجوارح عن الطاعات ، وتحركها في الشهواتالتي يستلزمها الشبع . فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن .
هذا إذا كان دائماً أو أكثرياً . وأما إذا كان فيالأحيان ، فلا بأس به ، فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم مناللبن ، حتى قال : والذي بعثك بالحق ، لا أجد له مسلكاً . وأكل الصحابة بحضرتهمراراً حتى شبعوا .
والشبع المفرط يضعف القوى والبدن ، وإن أخصبه ،وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء ، لا بحسب كثرته .
ولما كان في الإنسان جزء أرضي ، وجزء هوائي ، وجزءمائي ، قسم النبي صلى الله عليه وسلم طعامه وشرابه ونفسه على الأجزاء الثلاثة .
فإن قيل : فأين حظ الجزء الناري ؟
قيل : هذه مسألة تكلم فيها الأطباء ، وقالوا : إنفي البدن جزءاً نارياً بالفعل ، وهو أحد أركانه واسطقساته .
ونازعهم في ذلك آخرون من العقلاء من الأطباء وغيرهم، وقالوا : ليس في البدن جزء ناري بالفعل ، واستدلوا بوجوه :
أحدها : أن ذلك الجزء الناري إما أن يدعى أنه نزلعن الأثير ، واختلط بهذه الأجزاء المائية والأرضية ، أو يقال : إنه تولد فيهاوتكون ، والأول مستبعد لوجهين ، أحدهما : أن النار بالطبع صاعدة ، فلو نزلت ،لكانت بقاسر من مركزها إلى هذا العالم . الثاني : أن تلك الأجزاء النارية لا بد فينزولها أن تعبر على كرة الزمهرير التي هي في غاية البرد ، ونحن نشاهد في هذاالعالم أن النار العظيمة تنطفئ بالماء القليل ، فتلك الأجزاء الصغيرة عند مرورهابكرة الزمهرير التي هي في غاية البرد ، ونهاية العظم أولى بالانطفاء .
وأما الثاني : - وهو أن يقال : إنها تكونت ها هنا -فهو أبعد وأبعد ، لأن الجسم الذي صار ناراً بعد أن لم يكن كذلك ، قد كان قبلصيرورته إما أرضاً ، وإما ماء ، وإما هواء لانحصار الأركان في هذه الأربعة ، وهذاالذي قد صار ناراً أولاً ، كان مختلطاً بأحد هذه الأجسام ، ومتصلاً بها ، والجسمالذي لا يكون ناراً إذا اختلط بأجسام عظيمة ليست بنار ولا واحد منها ، لا يكونمستعداً لأن ينقلب ناراً لأنه في نفسه ليس بنار ، والأجسام المختلطة باردة ، فكيفيكون مستعداً لانقلابه ناراً ؟
فإن قلتم : لم لا تكون هناك أجزاء نارية تقلب هذهالأجسام ، وتجعلها ناراً بسبب مخالطتها إياها ؟
قلنا : الكلام في حصول تلك الأجزاء النارية كالكلامفي الأول ، فإن قلتم : إنا نرى من رش الماء على النورة المطفأة تنفصل منها نار ،وإذا وقع شعاع الشمس على البلورة ، ظهرت النار منها ، وإذا ضربنا الحجر على الحديد، ظهرت النار ، وكل هذه النارية حدثت عند الإختلاط ، وذلك يبطل ما قررتموه فيالقسم الأول أيضاً .
قال المنكرون : نحن لا ننكر أن تكون المصاكةالشديدة محدثة للنار ، كما في ضرب الحجارة على الحديد ، أو تكون قوة تسخين الشمسمحدثة للنار ، كما في البلورة ، لكنا نستبعد ذلك جداً في أجرام النبات والحيوان ،إذ ليس في أجرامها من الإصطكاك ما يوجب حدوث النار ، ولا فيها من الصفاء والصقالما يبلغ إلى حد البلورة ، كيف وشعاع الشمس يقع على ظاهرها ، فلا تتولد النار
البتة ، فالشعاع الذي يصل إلى باطنها كيف يولدالنار ؟
الوجه الثاني : في أصل المسألة : أن الأطباء مجمعونعلى أن الشراب العتيق في غاية السخونة بالطبع ، فلو كانت تلك السخونة بسبب الأجزاءالنارية ، لكانت محالاً إذ تلك الأجزاء النارية مع حقارتها كيف يعقل بقاؤها فيالأجزاء المائية الغالبة دهراً طويلاً ، بحيث لا تنطفئ مع أنا نرى النار العظيمةتطفأ بالماء القليل .
الوجه الثالث : أنه لو كان في الحيوان والنبات جزءناري بالفعل ، لكان مغلوباً بالجزء المائي الذي فيه ، وكان الجزء الناري مقهوراًبه ، وغلبة بعض الطبائع والعناصر على بعض يقتضي انقلاب طبيعة المغلوب إلى طبيعةالغالب ، فكان يلزم بالضرورة انقلاب تلك الأجزاء النارية القليلة جداً إلى طبيعةالماء الذي هو ضد النار
الوجه الرابع : أن الله سبحانه وتعالى ذكر خلقالإنسان في كتابه في مواضع متعددة ، يخبر في بعضها أنه خلقه من ماء ، وفي بعضهاأنه خلقه من تراب ، وفي بعضها أنه خلقه من المركب منهما وهو الطين ، وفي بعضها أنهخلقه من صلصال كالفخار ، وهو الطين الذي ضربته الشمس والريح حتى صار صلصالاًكالفخار ، ولم يخبر في موضع واحد أنه خلقه من نار ، بل جعل ذلك خاصية إبليس . وثبتفي صحيح مسلم : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلقت الملائكةمن نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " ، وهذا صريح فيأنه خلق مما وصفه الله في كتابه فقط ، ولم يصف لنا سبحانه أنه خلقه من نار ، ولاأن في مادته شيئاً من النار .
الوجه الخامس : أن غاية ما يستدلون به ما يشاهدونمن الحرارة في أبدان الحيوان ، وهي دليل على الأجزاء النارية ، وهذا لا يدل ، فإنأسباب الحرارة أعم من النار ، فإنها تكون عن النار تارة ، وعن الحركة أخرى ، وعنانعكاس الأشعة ، وعن سخونة الهواء ، وعن مجاورة النار ، وذلك بواسطة سخونة الهواءأيضاً ، وتكون عن أسباب أخر ، فلا يلزم من الحرارة النار .
قال أصحاب النار : من المعلوم أن التراب والماء إذااختلطا فلا بد لهما من حرارة تقتضي طبخهما وامتزاجهما ، وإلا كان كل منهما غيرممازج للآخر ، ولا متحداً به ، وكذلك إذا ألقينا البذر في الطين بحيث لا يصل إليهالهواء ولا الشمس فسد ، فلا يخلو ، إما أن يحصل في المركب جسم منضج طابخ بالطبع أولا ، فإن حصل ، فهو الجزء الناري ، وإن لم يحصل ، لم يكن المركب مسخناً بطبعه ، بل إن سخن كان التسخين عرضياً ، فإذا زال التسخين العرضي ، لم يكن الشيءحاراً في طبعه ، ولا في كيفيته ، وكان بارداً مطلقاً ، لكن من الأغذية والأدوية مايكون حاراً بالطبع ، فعلمنا أن حرارتها إنما كانت ، لأن فيها جوهراً نارياً .
وأيضاً فلو لم يكن في البدن جزء مسخن لوجب أن يكونفي نهاية البرد ، لأن الطبيعة إذا كانت مقتضية للبرد ، وكانت خالية عن المعاونوالمعارض ، وجب انتهاء البرد إلى أقصى الغاية ، ولو كان كذلك لما حصل لها الإحساسبالبرد ، لأن البرد الواصل إليه إذا كان في الغاية كان مثله ، والشئ لا ينفعل عنمثله ، وإذا لم ينفعل عنه لم يحس به ، وإذا لم يحس به لم يتألم عنه ، وإن كان دونهفعدم الإنفعال يكون أولى ، فلو لم يكن في البدن جزء مسخن بالطبع لما انفعل عنالبرد ، ولا تألم به . قالوا : وأدلتكم إنما تبطل قول من يقول : الأجزاء الناريةباقية في هذه المركبات على حالها ، وطبيعتها النارية ، ونحن لا نقول بذلك ، بلنقول : إن صورتها النوعية تفسد عند الإمتزاج .
قال الآخرون : لم لا يجوز أن يقال : إن الأرضوالماء والهواء إذا اختلطت ، فالحرارة المنضجة الطابخة لها هي حرارة الشمس وسائرالكواكب ، ثم ذلك المركب عند كمال نضجه مستعد لقبول الهيئة التركيبية بواسطةالسخونة نباتاً كان أو حيواناً أو معدناً ، وما المانع أن تلك السخونة والحرارةالتي في المركبات هي بسبب خواص وقوى يحدثها الله تعالى عند ذلك الإمتزاج لا منأجزاء نارية بالفعل ؟ ولا سبيل لكم إلى إبطال هذا الإمكان البتة ، وقد اعترف جماعةمن فضلاء الأطباء بذلك .
وأما حديث إحساس البدن بالبرد ، فنقول : هذا يدلعلى أن في البدن حرارة وتسخيناً ، ومن ينكر ذلك ؟ لكن ما الدليل على انحصار المسخنفي النار ، فإنه وإن كان كل نار مسخناً ، فإن هذه القضية لا تنعكس كلية ، بل عكسهاالصادق بعض المسخن نار .
وأما قولكم بفساد صورة النار النوعية ، فأكثرالأطباء على بقاء صورتها النوعية ، والقول بفسادها قول فاسد قد اعترف بفساده أفضلمتأخريكم في كتابه المسمى بالشفا ، وبرهن على بقاء الأركان أجمع على طبائعها فيالمركبات . وبالله التوفيق .
وأذا مرضت فهو يشفين :: الفئة الأولى :: العلاج بالقرأن الكريم :: علاج السحر واللبس والمس بالقرأن الكريم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين مارس 16, 2015 7:49 pm من طرف خالد براهمه
» علاج السرطان بالأعشاب خلال اربعة اسابيع
الإثنين مارس 16, 2015 7:35 pm من طرف خالد براهمه
» الفستق مقوى جنسي نسبة 51%
الخميس نوفمبر 28, 2013 7:37 pm من طرف خالد براهمه
» اسماء الأعشاب
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:35 am من طرف حسين العنوز
» آيات الشفاء في القرآن
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:30 am من طرف حسين العنوز
» اضطرابات الغدة الدرقية وعلاجها
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:29 am من طرف حسين العنوز
» رقية للعقـم والإســـقاط
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:28 am من طرف حسين العنوز
» مرضى السكري
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:27 am من طرف حسين العنوز
» اظفـــــــار،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 2:27 am من طرف حسين العنوز